بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 22 سبتمبر 2019

السعودية، ايران، امريكا - علم الإستقراء و التتبع

علم الإستقراء و التتبع
إجمالا اقول :
لن تقوم حرب بين إيران والسعودية أو أمريكا.
فلا أحد يسعى على الحقيقة لتحسين أوضاع شعوب المنطقة سياسياً أو إقصادياً.
الحوثيون فى اليمن يحركهم الآن ملالي وقادة إيران، ضربت طائرات إيران المُسيرة التي يحركها الحوثيين من أراضي اليمن مُنشأة بقيق لمعالجة البترول وحقل بترول مجاور للمنشأة.
تستفيد السعودية أكثر من تضررها، بسبب الإرتفاع المباشر لأسعار البترول.
تستفيد أمريكا من تحسن صندوق المدفوعات السعودية، سواء للأموال المباشرة التي تجبي من السعودية أو من خلال ضمان تسديد أفضل للشركات الأمريكية المصنعة للأسلحة وغيرها.
تستفيد أمريكا من عجز ميزان المدفوعات الصينية وهي اكبر وأكثر دول العالم إستيراداً للبترول.
تستفيد إيران من المنح الأمريكية المباشرة والتي تمولها السعودية من خلال الإدارة الأمريكية.
يستفيد الحوثيون من إستمرار تدفق المساعدات الإيرانية، التي لا غني عنهم بها.
وهكذا يستمر الخلاف الهزلي، بين حفنة قليلة على رأس أهرامات الدول، وتستمر معها معاناة الشعوب "قاعدة الأهرامات".


الأحد، 25 فبراير 2018

سائل يسأل عن مشكلة قابلته في زواجه من فتاة برازيلية كانت نصرانية واسلمت

سائل يسأل عن مشكلة قابلته في زواجه من فتاة برازيلية كانت نصرانية واسلمت.
السؤال:
تعرفت على امرأة كانت على النصرانية من البرازيل، ثم وفقني الله لتعريفها بالإسلام وتعاليمه وأَسْلَمَتْ بفضل الله منذ عام، وعرضت عليها الزواج فقبلت بذلك هي وعائلتها التي مازالت الى الأن على نصرانيتها " بل لم أجد أي معارضة من قبل والداها وأخواتها " ولكن المشكلة حين توجهت الى المسجد الوحيد في بلدتها في البرازيل لم يوافق إمام المسجد على إتمام إجراءات الزواج، وذلك لعدم وجود ولي مسلم للفتاة وعدم وجود شاهدين مسلمين لإتمام العقد الشرعي.
بل إن إمام المسجد المذكور يقف عقبة أمام ذلك الزواج لوجهة نظره أن كثيراً من الفتيات يرتَدِدْنَ عن الإسلام بعد فترة ويأتين بأفعال غير لائقة، وهذا الكلام غير مقنع لي بل وأجده ظلماً لها ولمثيلاتها ممن أسلمن من الفتيات.
أفيدوني ما العمل، وهل يمكن لزميل لي في البرازيل أن يكون ولياً لتلك الفتاة، وكيف أتصرف في الشاهدين.
_____________________________
الإجابة:
بسم الله و الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
 أما بعد
فالذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين من بعدهم،  واتفق العلماء سلفاً وخلفاً عليه، هو إشتراط وجود الولي، ولم يَشُذَّ عن هذا إلاَّ الإمام أبو حنيفة رحمه الله وخالفه صاحبه أبو يوسف في ذلك فقال لا نكاح إلا بولي.
ومن أدلة إشتراط وجود الولي واقعة عين الصحابي معقل بن يسار المزني - رضي الله عنه حيث قال: (زَوَّجْتُ أختي رجلا من المسلمين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت عنده ما كانت، ثم طلقها تطليقة، ولم يُراجعها حتى انقضت العدة (فهويها وهويته) فجاء يخطبها، فقلت له: زوجتك، وفرشتك، وأكرمتك، فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبدا (وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه) فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية:"وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" فلما سمعتها قلت: سمعاً لربي وطاعة، ثم دعوته فقلت: أُزوجك وأُكرمك، وكفَّرت عن يميني ) ([1]).
فالواقعة هنا كلها موضع شاهد تدليلي على مسألتنا، قال الحافظ في الفتح: وهي أصرح دليل على إعتبار الولي، وإلا لما كان لعضله معنى، ولأنها لو كان لها أن تُزَوِّجَ نَفْسِها لم تَحْتَجْ إلى أخيها، ومن كان أمره إليه لا يُقال إن غيره منعه منه.
ومن الأدلة ما جاء عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل، فإن تشاجروا، فالسلطان  وَلِيُّ من لا وَلِيَّ  له"([2]).
أردت بتوطئتي هذه إثبات موقف السلف من تلك المسألة وحتى لا يقال بمخالفتي لصريح ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل المسلمين.
ولكن مسألة السائل هنا تختلف من جهة الظروف والمُلابسات، ولا تحتمل تَزَمُّتْ بعض أئمة المساجد وجمودهم على فهم نص لا يمكن تطبيقه عملياً في ظل مجتمع خلا من المسلمين.
لذا فقد أفتي كثير من أهل العلم أمثال الشيخ ابن باز رحمه الله بجواز إتخاذ رؤساء المراكز الإسلامية في البلاد التي فيها أقليات مسلمة كأولياء لتلك الفتيات .
وكذلك يجوز أن يقوم إمام المسجد بدور الولي إن إنعدم وجود مركز إسلامي للجاليات المسلمة في تلك البلد أو أي مسلم عدل كزميلك المذكور في رسالتك إن توفرت فيه شروط العدالة.
وأما بخصوص الشاهدين، أنصح بواحدة من ثلاث:
الأولى:
أن تسعي لإتمام إجراءات الزواج في مدينة أخري غير تلك التي تقيم فيها الفتاة، فيها مركز إسلامي تجد فيه الولي و الشهود، وبعد ذلك تعلن وتشهر ذلك الزواج في مدينتها، وبلدك الأصلي المسلم حفاظا على حق الزوجة، وتوثق ذلك العقد مدنياً، وأرجوا بذلك خروجك من الخلاف كلياً.
فإن لم تستطع، فالثانية:
الثانية:
قال تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأْرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ) المائدة/106
قال ابن القيم رحمه الله :
قال شيخنا رحمه الله يعني ابن تيمية -  : "وقول الإمام أحمد في قبول شهادتهم في هذا الموضع:" هو ضرورة " يقتضي هذا التعليل قبولها في كل ضرورة حضراً وسفراً .
وعلى هذا، فشهادة بعضهم على بعضٍ مقبولة للضرورة.
فلو قيل : يحلفون في شهادة بعضهم على بعض ، كما يحلفون على شهاداتهم على المسلمين في وصية السفر ، لكان متوجهاً ، ولو قيل : تقبل شهادتهم مع أيمانهم في كلِّ شيءٍ عدم فيه المسلمون ، لكان له وجه ، وتكون بدلاً مطلقاً ([3]) ".
قلت: بين الله جلَّ وعلا إباحة إتخاذ الكافرين شهوداً عند الإضطرار الى ذلك وإنعدام وجود الأصل وهم المسلمون، ولأن هذا الأمر لا يقع غالباً إلاَّ في السفر خارج بلاد الإسلام فكان أن ضُرِبَ به المثل.
وشهادة الكافر تُقبل في بعض الحالات وأَقرَّها العلماء وأقرتها الأمة إقرار ضمني تقريري على سبيل الحاجة، وليس ذلك مني من باب تعديل الكافر أو رَدَّ إجماعٍ أو إيراد شبهة.
ولكن إن ذَهَبْتُ أُعَدِّدُ الشهادات المقبولة من أهل الكتاب وغيرهم من الكافرين في أمور تمس حياة الناس اليومية لما أحصيت ذلك عدداً، منها على سبيل المثال شهاداتهم في العلوم الحديثة كالطبية منها.
فإن لم تستطع، فالثالثة:
الثالثة :
أن تكتفي بإعلان الزواج وإشهاره بين الناس عندك في البرازيل وإشهاره في بلدك الأصلي المسلم حفاظا على حق الزوجة، والإعلان هذا يُغني عن الشهادة عند جَمْعٍ من أهل العلم سلفاً وخلفاً، والله أعلم.
مع العلم أن جمعاً من أهل العلم يُصححون النكاح إذا تم إعلانه وإشهاره بين الناس ، ولو لم يشهد عليه رجلان ، لأن الإعلان يغني عن الشهادة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"وهم يقولون مقصود الشهادة إثبات الفراش عند التجاحد، حِفْظاً لنسب الولد، فيقال هذا حاصلٌ بإعلان النكاح، ولا يحصُل بالإشهاد مع الكتمان مطلقا، فالذي لا ريب فيه أن النكاح مع الإعلان يصح وأن لم يشهد شاهدان، وأما مع الكتمان والإشهاد فهذا مما يُنظر فيه، وإذا اجتمع الإشهاد والإعلان فهذا الذي لا نزاع في صحته، وإن خلا عن الإشهاد والإعلان فهو باطلٌ عند العامة فإن قُدِّرَ فيه خلافٌ فهو قليل" . مجموع الفتاوى 32/83 دار الوفاء.
وأخيراً اسأل الله الهداية والسداد في القول و العمل لأمام المسجد المشار إليه في فتوى السائل، وأدعوه الى الصبر وعدم التعجل في إصدار الأحكام على إخواننا حديثي العهد بالإسلام وبخاصة منهن النساء، فقبل أن نآخذهم في تقصيرهم في الواجبات علينا أن نوفي ما لهم من الحقوق.
وصلِّ اللَّهم على عبدك محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.



([1]) حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التفسير،  والترمذي في سننه كتاب التفسير واللفظ له.
([2]) حديث صحيح خرجه الشيخ الألباني رحمه الله في الإرواء برقم 1840.
([3]) الطرق الحُكْمية في السياسة الشرعية للإمام ابن القيم الجوزية (509 ، 510)  تحقيق نايف بن احمد، إشراف" الشيخ الحبيب" بكر بن عبدالله ابوزيد رحمه الله، دار عالم الفوائد.

الأربعاء، 15 نوفمبر 2017

حُكْمَ النَّمْصِ

حُكْمَ النَّمْصِ "لا جديد فى أَحكام النِّساء"
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرّحَيِم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وبعد......
فإنه لا خلافٌ بين "أهل الدين" أَنَّه ما لم يكُن زمنَ النبوةِ ديناً لا يمكن أن يكون اليوم ديناً، فالدين أكمله و أتمَّه الله سبحانه وتعالى ورضيه "لِأَهْلِهِ وَخَاصَّتِهِ".
والله سبحانه وتعالى جعل من تمام ذلك الدين وكماله متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته فيما أمر ونهى.
و"أهل الدين" يرضونَ ما رضى الله لهم ورضى لهم رسوله ويسلمون تسليماً.
لا يتتبعون زَلاَّتِ العلماء وهفواتهم، أو سَقَطَاتِ الأَدعياء وغفواتهم، بخاصة عند تلك النصوص الواضحة الدلالة والعلة معاً، والتي حَمَلها وفهمها أهل القرون الأولى الفاضلة على خير محمل.
ومن تلك الأَحكام، حُكْمَ النَّمْصِ.
أدلة تحريم النَّمْصِ:
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لعنَ اللهُ الواشمَاتِ والمُتَوشِّماتِ ، والمُتَنَمِّصَات والمُتَفَلِّجَاتِ للحسْنِ ، المُغِّيراتِ خلقَ اللهِ". فبلغَ  ذلكَ امرأةً من بني أسدٍ يُقالُ لها أمُّ يعقوبَ ، فجاءَت فقالتْ : إنَّهُ بلغَني أنكَ لعَنْتَ كيْتَ وكيْتَ ، فقالَ : وما لي لا ألعنُ مَن لعنَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، ومَنْ هوَ في كتابِ اللهِ ، فقالت : لقدْ قرأتُ ما بينَ اللوحينِ ، فمَا وجدْتُ فيهِ ما تقولُ ، قالَ : لئن كنتِ قرَأتِيهِ لقد وجَدْتِيهِ ، أما قرأتِ )ومَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا(([1]). قالتْ : بلى ، قالَ : فإنَّهُ قدْ نهَى عنهُ ، قالت : فإنِّي أرَى أهْلَكَ يفعَلونَهُ ، قالَ: فاذْهَبي فانْظُرِي ، فَذَهَبتْ فَنَظَرتْ ، فلمْ تَرَ من حاجَتِها شيئًا ، فقالَ: لو كانَتْ كذَلِك مَا جَامَعَتْنا([2]).
حديث عبدالله بن عباس رضى الله عنه:
ومثله ما رواه أبو داود من طريق الصحابي عبدالله بن عباس رضى الله عنه قال:"لُعِنَتِ الواصلةُ والمستوصلةُ ، والنَّامصةُ والمتنمِّصةُ، والواشمةُ والمستوشمةُ، مِن غيرِ داءٍ"([3]) قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود (صحيح).
قال أبو داود رحمه الله بعد إيراده الحديث في سننه: "وتفسير الْوَاصِلَةِ التي تصل الشعر بشعر النساء وَالْمُسْتَوْصِلَةُ الْمَعْمُولُ بها وَالنَّامِصَةُ التي تَنْقُشُ الْحَاجِبَ حتى تُرِقَّهُ وَالْمُتَنَمِّصَةُ الْمَعْمُولُ بها ........." إهـ.
حديث أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضى الله عنها:
حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا روح([4]) قال ثنا أبان بن صمعة([5]) قال حدثتني أمي([6]) قالت سمعت عائشة تقول : "كَانَ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنِ الْوَاشِمَةِ، وَالْوَاصِلَةِ، وَالْمُتَوَاصِلَةِ، وَالنَّامِصَةِ، وَالْمُتَنَمِّصَةِ"([7]).
المسند 26249 (جزء6-ص257) ([8])، والنسائي في السنن- الزينة باب المتنمصات - من طريق خالد عن أبان به نحوه، وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله فى ضعيف سنن النسائي، والطبراني([9])-الدعاء باب ذكر من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم- (ح2160 ص 1761)من طريق محمد بن عبدالله الأنصاري عن أبان به نحوه.
ولا دليل نصي صحيح صريح في حكم النَّمْصِ الا ما ذُكر آنفا، والله اعلم.
ودليلٌ عامٌ في القرآن وهو قوله سبحانه وتعالى: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا..........) جزء من الآية 121سورة النساء.
وموضع الشاهد من الآية تحذير الله عزَّ وجلَّ لعباده المؤمنين من إبليس، فإنه يأمُرُهم بالمُنْكر (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)، إلاَّ أنه شاهد ناقص –أو ظني الدلالة-، فالتحذير ليس من النَّمْصِ فقط، فالآية أعم وأشمل من هذا ويفسرها قوله سبحانه وتعالى: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ......) جزء من الآية 30 سورة الروم ، فيكون تفسيرها كما رجحه بعض السلف:"لا تبديل لدين الله".
أي (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) ولأُزَيِنين لهم فليًغيرُنَّ ديِنَ الله([10]) وشِرْعَتِهِ وأَحكامه ولايَنْتَهِينَّ عن أَوامرِهِ ولَيَقَعَنَّ في نَوَاهِيَهِ.
قلت: بالإستقراء وجدت أنَّ هناك خلافٌ واقعٌ في تأويل معنى النَّمْصِ عند سلف الأمة على ثلاثة أقوال.
الأول على أنَّ المقصود منه النَّهي عن إزالة أي شعر من الوجه بالكلية.
الثاني القول بأن المراد منه النَّهي عن نَتْفِ شعر الحاجبين فقط، وهذا ما ترجح عندي.
الثالث النهي عن إزالة شعر جميع الجسد بالكلية –بما فيه شعر الوجه طبعا- "إلاَّ ما جاء الشرع بوجوب ازالته" سواءً كان بالنَتْفِ أو الحَفِّ بجميع أشكاله.
وختاماً فإن الذي يترجح عندي وعليه العمل:
1-            النَّمْصُ يختصُّ بالحاجبين دون غيره من شعر الوجه أو سائر الجسد، وحديث "خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ" دليل على عدم عموم حديث النَّمْصِ، والله اعلم.
2-            حديث عائشة رضى الله عنها الذي أخرجه ابن الجعد([11]) في مسنده قال: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، أنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: دَخَلَتِ امْرَأَتِي عَلَى عَائِشَةَ...............
قَالَ: وَسَأَلَتْهَا امْرَأَتِي عَنِ الْمَرْأَةِ تَحُفُّ جَبِينَهَا([12]) فَقَالَتْ:"أَمِيطِي عَنْكِ الْأَذَى مَا اسْتَطَعْتِ"([13]).
قلت: ليس فى الحديث تعارض مع أحاديث النَّهي، والتي منها حديث عائشة نفسها رضى الله عنها، إلا أنه يُعضد القول بجواز إزالة شعر الوجه عدا الحاجبين ويَخُصُّ عموم الأدلة الصريحة بالنهي و التحريم.
ومعرفة عائشة رضى الله عنها بالنَّهي عن النَّمْصِ، وتَرَخُصِّهَا فى الحَفِّ، يُعطي تفسيراَ قطعياً أعلا فى الرتبة من تفاسير أهل اللغة له، ويرجح ويؤيد تفسير أبي داود ومن تابعه من أن"النَّامِصَةُ التي تَنْقُشُ الْحَاجِبَ حتى تُرِقَّهُ وَالْمُتَنَمِّصَةُ الْمَعْمُولُ بها".
وعند سَبْرِ مجموع مرويات الأَثر وجدت أن الشيخ الألباني رحمه الله في تخريج غاية المرام([14])، إكتفى بإعلال أحدي تلك الروايات بجهالة امرأة أبي إسحاق وهي أُمُّ يُونُس، واسمُها العالِيَةُ بنتُ أيْفَع إمرأة أَبِى إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ الكوفي، وهي كما قال أقرب ما يكون لجهالة الحال ، كما هو معلوم عند أهل الحديث.
ولكن عند دراسة تلك "الْمُلاَقَاةِ" وجدت أنها وقعت لثلاثة نساء أو أكثر مع عائشة رضى الله عنها لكلٍ منهن مسألتها وكانت على الراجح في مجلس واحد.
المسألة الأولى للعالِيَةُ بنتُ أيْفَع زوج أبي إسحاق السبيعي و الثانية لأُمُّ مُحِبَّةَ وهي إمرأة عبد الله بن أبي السّفر الكوفي والأثرين يرويهما عن أَبِى إِسْحَاقَ، معمر والثوري وشعبة([15]) ويُونُسُ بْنُ أَبِى إِسْحَاقَ([16]) وعَمّارُ بن رُزيَقٍ الكوفي.
والقصة الثالثة فيها أن العالِيَةُ بنتُ أيْفَع حين دخلت على عائشة رضي الله عنها دخلت معها أُمّ وَلَد زَيْد بْن أَرْقَمَ رضي الله عنه وفيه مسألة فى بيع العينة، فصاحبة القصة هي أُمّ وَلَد زَيْد والراوية هي العالِيَةُ.
والمسألة الرابعة لأمرأة لم تُعَرَّفْ قالت: (إِنِّي وَجَدْتُ شَاةً، وَقَدْ عَرَّفْتُهَا، وَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا. فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةَ: "عَرِّفِي، وَاحْلِبِي، وَاعْلِفِي").
قلت: فالعالِيَةُ سألت أُمّ المؤمنين عن الحَفِّ، و صاحبتها أُمُّ مُحِبَّةَ سألت عن النَتْفِ ، و أُمّ وَلَد زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الأَنْصَارِىِّ([17]) رضى الله عنه سألت فى البيوع والرابعة سألت عن لقطة الشاة.
وعلق ابن القيم رحمه الله في حاشيته على سنن أبي داود المسمي تهذيب السنن فى تعليقه على حديث "أُمّ وَلَد زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الأَنْصَارِىِّ رضى الله عنه" قال([18]): (قال البيهقي: ورواه يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت ايفع: أنها دخلت على عائشة مع أم محبة.
وقال غيره: هذا الحديث حسن، ويحتج بمثله، لأنه قد رواه عن العالية ثقتان ثبتان: أبوإسحاق زوجها، ويونس ابنها، ولم يُعلم فيها جرح، والجهالة ترتفع عن الراوي بمثل ذلك.
قال ابن القيم: ثم إن هذا مما ضَبِطَتْ فيه القصة، ومن دخل معها على عائشة، وقد صَدَّقها زوجها وابنها، وهما من هما، فالحديث محفوظ([19])) إهـ.
قلت: وبه أقول، الحديث من هذا الطريق بجميع مروياته ومسائله محفوظ مقبول العمل به، حتى تدليس ([20]) أبي إسحاق السبيعي فقد كفانا شعبة أحد رواة الحديث وهو الذي يقول: كفيتكم تدليس ثلاثة، الأعمش وأبو إسحاق وقتادة.
أضف على ما سبق من كلام الإمام ابن القيم، ما ذكره الإمام الذَّهبي فى ديوان أسماء الضعفاء والمتروكين (ص 478):
(وأما المجهولون من الرواة فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتُلُقِّى بحُسْنِ الظن، إذا سَلِمَ من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ، وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين فيُتَأَنَّى في رواية خبره، ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه وتحرّيه وعدم ذلك) ([21]).
قلت: ولا شك عندي أن هذه ليست قاعدةٌ مُطَّرِدَةٌ ، ولكن فى حالتنا تلك - العالِيَةُ بنتُ أيْفَع – تطمئن النفس للعمل بحديثها، لاسيما وهي تتحدث عن أمر يخص النساء فضبطها للمسألة أقرب.
فالأثر إذاً شاهدٌ على جوازِ حَفِّ المرأة لشعر وجهها عدا الحاجبين بُغية التَّجمل والتهيأ([22]) لزوجها، مادام حاضراً مقيماً فهى دائمة التزين له عبادة وقربة الى الله، والله اعلم.
3-            العلة في الحديث الشريف هي تغيير خلق الله تعالى، قصد الحسن، وليست التغرير و التدليس والغش كما إدعاه البعض ليبيح للمرأة المتزوجة ما حرم الله عليها فعله، ومعلوم من أصول الفقه ان العلة التي ثبتت بالنص أقوى في الدلالة من العلة المستنبطة وبخاصة لو كانت صريحة ففي هذه الحالة تكون دلالة النص على العلة قطعية.
4-            مسألة أن الشعر النابت بين الحاجبين ليس بحاجب، لم أجد لها دليلاً والأصل انه من الحاجبين، ولم أجد أحدا من السلف تكلم فيها، وبعض أهل العلم المعاصرين يرى جواز إزالتها مع القول بإن تركه أورع.
5-            تقصير شعر الحاجبين (القص) جائز، للنساء والرجال على حد سواء، بخاصة إذا طال حتي يقع على الجفنين، لعدم ورود ناهي، ولرفع الضرر.
6-            التشقير (الصبغ) جائز لعدم دخوله في النهي.
7-            لا أصل لدعوة اتفاق الفقهاء على تحريم نَتْفِ الحاجبين لغير المزوجة، وللمزوجة إذا لم يأذن زوجها في ذلك.
فالحكم الشرعي بالتحريم عام للنساء جميعاً، ولا حجة عند المخالفة فى إذْنِ الزوج من عدمه، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق و الزوج لا تجب مجارات رغباته باقتراف ما حرّم الله فقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الصحيحين وغيرهما أنه قال: "إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ".
وأما عن الإِشكال الوارد فيما إذا امر الزوج بهذا الفعل أو بغيره من الأفعال المحرمة، فالأمر يرجع الى المرأة والى قدر إيمانها والتزامها، كما يرجع الى أولياء المرأة وهل هم عون لها وعضد أم أنهم والزوج فى الهوى سواء، وهذا حال لا يخفى على أحد وأعظم منه من تمكث تحت رجل لا يصلي ولا يقيم للدين قائمة ولا يعرف عنه أكثر من ظاهر الشهادتين وهي مع هذا تقول وماذا أفعل بالأولاد أو ومن ينفق علي، وغير ذلك من البلاءات المركبة، فإلى الله المشتكى.
8-            التزجيج والبعض يسميه تدبيب، وهو حذف زوائد الشعر كما قاله صاحب لسان العرب وذكره قريبا منه الخطَّابي والكرماني، غير جائز فهو داخل في عموم التغير المنهي عنه بغية الحسن سواء كان ذلك بالترقيق أو التسوية أو الإصلاح.
9-            عمليات الليزر الحديثة جائزة لغير الحاجبين، ما لم يكن هناك ضرر على المرأة، بخاصة للنساء المريضات بخلل فى الهرومونات الأنثوية يؤدي لإنبات الشعر على اللحيين.
وأخيراً اسأل الله أن يبارك فى بقايا أهل العلم، ويُظْهِرَ أثرَهم على الناس.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسلِّمْ عَلَى نَبِينَا محمدٍ وَعَلَى الآلِ وَالصَّحْبِ الأَطْهار الطَّيِّبِيْن


([1]) سورة الحشر آية 7.
([2]) فائدة: في مسند الأمام أحمد رحمه الله ومن أحد الفاظ الحديث الذي صحح إسناده الشيخ المحدث المصري الفاضل أحمد شاكر رحمه الله (وإن كان فى السند عننة قتادة) .
جاء فيه (........ قالت المرأةُ : فلعلَّه في بعضِ نسائِك قال لها : ادخُلي فدخلتْ ثم خرجتْ فقالت: ما رأيتُ بأسًا، قال: ما حفظتُ إذاً وصيةَ العبدِ الصالحِ (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ).
والشاهد من تلك الفائدة استدلاله رضى الله عنه بوصية العبد الصالح، فالداعية الصادق يعمل بما يعلم ويلتزم به قبل دعوة غيره إليه، قدوة في نفسه، ورَعِ ٌفي حركاته وسكناته.
وأما المُبْطلين، المُحرِّفين الظَّانِّيْن المفسدين، كما كان ينعتهم الشيخ أبو عليين رجائي بن محمد رحمه الله، فإنهم يقولون ما لا يفعلون.
([3]) كتاب التَّرجل، بابٌ فِي صِلَةِ الشَّعْرِ، والحديث له حكم الرفع كما ذكر العلماء.
([4]) هو روح بن عبادة - ثقة.
([5]) أبان بن صمعة - ثقة.
([6]) أُم أبان بن صمعة – مجهوله لم يحدث عنها إلاَّ إبنها.
([7]) والحديث مع ضعف سنده إلاَّ أنه يصلح كشاهد ويُتَقَوي به، وهذا هو ما فعله الشيخ الألباني رحمه الله فى غاية المرام (ص 76) لا كما ظن البعض أن الشيخ صحح الحديث هناك، فليعلم.
([8]) قال الشيخ شعيب الأرنؤوط رحمه الله: نهيه صلى الله عليه وسلم عن الواصلة والمتواصلة صحيح وعن الواشمة والنامصة صحيح لغيره وهذا إسناد ضعيف.
([9]) دار البشائر الإسلامية -تحقيق الدكتور محمد سعيد بن محمد حسن البخاري.
([10]) كتاب الله وصحيح سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
([11]) هو الإمام أبو الحَسَنْ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْجَوْهَرِيُّ أحد شيوخ الإمام البخاري رحمهما الله.
([12]) والجَبِينُ هو موضعٌ ما بين مَنْبَتِ شعر الرأس والحاجبين والذي نسميه فى مصر بالجبهة، ومنه (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) أي أكبَّه على وجهه.
([13]) 1/80 رقم 451 نسخة مؤسسة نادر، بيروت، تحقيق عامر أحمد حيدر.
       1/376 رقم 464 نسخة مكتبة الفلاح، الكويت، الدكتور عبدالمهدي عبدالقادر رحمه الله.
([14]) الحديث رقم 96 الذي إخرجه الطبري رحمه الله : أن امرأة أبي إسحاق دخلت على عائشة وكانت شابة يعجبها الجمال-أي العالِيَةُ -فقالت: المرأة تَحُفُّ جبينها لزوجها؟ فقالت :" أمِيطِي عنكِ الأذى ما استطعت".
قال الشيخ الالباني رحمه الله: ضعيف فإن امرأة أبي إسحاق لم أعرفها.
قلت: وللشيخ رحمه الله ملاحظات صفحتي 77/78 يذهب فيها لعدم جواز نمص الشعر أو الحَفِّ من الوجه كله عموماً، وهو ما لا أوافقه عليه رحمه الله.
([15]) قال يحيى بن معين: أَثبت أصحاب أبي إسحاق، شعبة والثوري.
([16]) يروي الحديث عن أُمِّه مباشرة.
([17]) زَيْد بْن أَرْقَمَ الأَنْصَارِىِّ رضي الله عنه اسلم صغيرا، له مواقف مشهودة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حدث عنه ابو إسحاق وحديثه فى البخاري، مات بالكوفة.
([18]) طبعة مكتبة المعارف تحقيق الدكتور إسماعيل بن غازي مَرحَبا -حفظه الله- كتاب البيوع والإجارات، باب النهي عن بيع العينة ص 1652.
([19]) ويقصد بالمحفوظ هنا "الثابت الصحيح" وليس المحفوظ إصطلاحا عند المحديث الذي هو مقابل للشاذ، وقد رأيت الحافظ ابن حجر يستعمله في الفتح.
([20]) مسألة تدليس أبي إسحاق السبيعي رحمه الله بحاجة الى دراسة وتتبع، وكذلك مسألة إختلاطه، فالمسألتين عندي فيهما نظر.
([21]) ديوان أسماء الضعفاء والمتروكين للإمام شمس الدين الذهبي - مكتبة النهضة الحديثة، مكة- تحقيق أبي عبد الباري حمّاد بن محمّد الأنصاريّ رحمه الله ، وهو من أفاضل العلماء المحدثين المعاصرين، توفي يوم الأربعاء 21/6/1418هـ.
([22]) (عُرُبًا أَتْرَابًا)، على المراة أن تتعلم كيف تتزين لزوجها فإنما العلم بالتعلُّم، حتي وضع الكُحْلِ فى عينها، علمٌ واجبٌ عليها تعلمه ، فما لا يقوم الواجب إلاًّ به "فهو واجبٌ".

المتابعون