بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017

تعجيل دفن الميت وعدم نقل الجسد من بلد الى بلد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرّحَيِم 
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وبعد......
فمن الامور التي يقع فيها بعض الناس وبخاصة منهم المغتربين خارج بلادهم، مخالفة الهدي النبوي والآداب الإسلامية العامة فى مسألة تأخير([1]) دفن الميت أو نقل جسد المتوفى من بلد إلى بلد.
يقع الأول منها غالباً من أجل إدراك بعض أولياء المتوفى للصلاة عليه بخاصة إن كان ذلك الولى أحد الأبناء الذكور، والثاني من أجل أن يدفن فى بلده بجوار أهله وفى مدافنهم الخاصة([2]) غالباً.
فأحببت أن أوضح هاهنا وعلى عجالة خطأ الفعلين، وأدعوا جميع إخواني لترك هذان الأمران وإحياء سنناً غفل عنها اليوم بعض الناس.
المسألة الأولى
سنة التعجيل بدفن الميت:
1-            يقول تعالى: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (الآية 21 سورة عبس ، أي أن الله بعد أمره بقبض روح عباده أمر بدفنهم،  يقول السعدي فى تيسير الكريم الرحمن "أي:أكرمَهُ بالدفنِ، ولم يجعلْهُ كسائرِ الحيواناتِ التي تكونُ جيفُها على وجهِ الأرضِ".
قلت : والفاء([3]) هنا فى " فَأَقْبَرَهُ" تفيد الترتيب والتعقيب، بخلاف ثم فى " ثُمَّ أَمَاتَهُ" أو التي قبلها " ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ" و التي بعدها " ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ" لأن كل ذلك يحتاج إلى وقت فاستفيد منه الترتيب ولكن مع التراخي، فعلم من قوله سبحانه "فَأَقْبَرَهُ" وجوب التعجيل بالدفن والله أعلم.
2-            حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: مات إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ فمات بالليل فدفنوه ليلاً فلما أصبح أَخْبَرُوهُ فقال:"ما منعكم أن تُعْلِمُونِي" ، قالوا كان الليل فَكَرِهْنَا وكانت ظُلْمَةٌ أن نَشُقَّ عليك فَأَتَى قبره فصلى عليه. الحديث رواه البخاري
3-            حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ امرأةً سوداءَ كانت تَقُمُّ المسجدَ (أو شابًّا) ففقدها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسأل عنها (أو عنه) فقالوا: مات . قال: ”أفلا كنتُم آذَنْتُمونى". قال : فكأنهم صَغَّروا أمرَها (أو أمرَه). فقال:"دُلُّوني على قبرِها". فدَلُّوه فصلَّى عليها. ثم قال: "إنَّ هذه القبورَ مملوءةٌ ظُلمةً على أهلِها، وإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُنوِّرُها لهم بصلاتي عليهم". الحديث رواه الشيخان واللفظ لمسلم.
قلت: الحديث روي بلفظ (فتوفِّيت ليلاً ، فلمَّا أصبحَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليْهِ وسلَّمَ ، أُخْبِرَ بموتِها ، فقالَ : "ألاَ آذنتموني بِها") خرجه ابن ماجه فى سننه من طريق الصحابي أبي سعيد الخدري رضى الله عنه وارضاه، قال عنه الشيخ الألباني رحمه الله (صحيح لغيره).
وفي الحديثين من الفقه والفوائد ما يلي إختصاراً:
        أ‌-                    جواز الدفن ليلاً، وله أحكام لا محل هنا لذكرها.
     ب‌-                 الحديثين واقعتهما مغايرة فالأول لرجل اسمه طَلْحَةُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ عُمَيْرٍ الْبَلَوِيُّ والثاني -روي من طرق ضعيفة مرسلة - أنها لأمرأة واسمها أُمُّ مِحْجَنٍ ذكر ذلك الحافظ فى الفتح . "بتصرفٍ مني" والله اعلم.
     ت‌-                 حرص الصحابة على سرعة الصلاة و دفن المتوفى، مع علمهم اليقيني بفضل وعظم صلاة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم، إلاَّ أن ذلك لم يمنعهم من تعجيل دفن موتاهم.
     ث‌-                 إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لهم فى ذلك.
      ج‌-                  جواز الصلاة على قبر المتوفي لمن لم يدرك صلاة الجنازة، فرادى أو جماعات.

4-            عن عائشة أم المؤمنين  قالت: دخلتُ على أبي بكرٍ- رضي الله عنه- فقال: في كَمْ كَفَّنْتُمُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: في ثلاثةِ أثوابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، ليس فيها قميصٌ ولا عِمَامةٌ.وقال لهافي أيِّ يومٍ تُوفِّي رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  قالت : يومَ الإثنينِ . قال : فأيُّ يومٍ هذا ؟ قالت : يومُ الإثنينِ . قال : أرجو فيما بيني وبينَ الليلِ ؛ فنظر إلى ثوبٍ عليه كان يُمَرَّضُ فيه ، به رَدْعٌ من زعفرانٍ ، فقال : اغْسِلُوا ثوبي هذا ، وزيدوا عليه ثَوبَيْنِ ، فكَفِّنُونِي فيها . قلتُ : إِنَّ هذا خَلَقٌ . قال : إِنَّ الحيَّ أَحْقُّ بالجديدِ مِنَ المَيْتِ ، إنما هو للمُهْلَةِ . فلم يتوفَّ حتى أَمْسَى من ليلةِ الثلاثاءِ ، ودُفِنَ قبلَ أَنْ يُصْبِحَ([4]). الحديث رواه البخاري فى صحيحه([5]).
5-            وهذا-أي التعجيل بالصلاة والدفن- صح موقوفا عن جمع من الصحابة ولم أجد لهم مخالف، وأما السلف من التابعين ومن المتقدمين من الثلاثة الفاضلة الأولى، فلم أجد لهم خلاف ما سبق ذكره ، ومنه:
قول الإمام الشافعي رحمه الله في الأم([6]) (ج2-623): وأحب إذا مات الميت أن ألا يعجل أهله غسله، لأنه قد يغشى عليه فيخيل إليهم أنه قد مات، حتى يروا علامات الموت المعروفة فيه وهو أن تسترخى قدماه ولا تنتصبان، وأن تنفرج زِنْدا يديه، والعلامات التي يعرفون بها الموت، فإذا رأوها عجلوا غسله ودفنه، فإن تعجيله تأدية الحق إليه، ولا يُنتظر بدفن الميت غائب من كان الغائب.
6-            ومن المعاصرين:
الشيخ ابن باز رحمه الله – سُئِل ما حكم تأخير الدفن يوم أو يومين؛ لحضور أقارب الميت؟
قال: السُّنَّة الإسراع والمبادرة بالدفن، ولا يؤخر إلا الشيء اليسير، ساعة، ساعة، ساعتين، حتى يحضروا إذا كانوا قريبين أما يوم، يومين لا، النبي-صلى الله عليه وسلم-، قال:(أسرعوا بالجنازة)، فالسنة الإسراع بها والبدار بها، ولا تؤخر إلى أن يأتيَ أقارب من البعيد، يوم أو يومين لا، يصلي على قبرها، إذا جاء القريب الحمد لله يصلي على القبر مالم تأخر الجنازة. إهـ."من الموقع الرسمي للشيخ الحبيب رحمه الله"
وهو ما عليه الشيخ الألباني رحمه الله وجمع من أهل العلم.

المسألة الثانية
كراهة نقل جسد الميت من بلد الى بلد:
ولا ينقل الجسد من بلد لبلد، لأن النقل ينافي الإسراع المأمور به في الأحاديث السابق ذكرها الى جانب المعاناة الشديدة الآكدة والتي يعانيها ويتأذى منها "الشاب الفتي الحي الصحيح".
1-            عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن كسر عظم المؤمن ميتا مثل كسره حيا"([7]). رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الشيخ الألباني فى أكثر من موضع.
2-            عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ماتَ رجلٌ بالمدينةِ مِمَّن وُلِدَ بِها ، فصلَّى عليهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ثمَّ قالَ: "يا ليتَهُ ماتَ بغيرِ مولدِهِ" قالوا ولمَ ذاكَ يا رسولَ اللَّهِ قالَ: "إنَّ الرَّجلَ إذا ماتَ بغيرِ مولدِهِ قيسَ لَه من مولدِهِ إلى منقطَعِ أثرِهِ في الجنَّةِ" . حسن ([8]) إسناده الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن النسائي.
3-            عن صفية بنت شيبة قالت: مات أخ لعائشة - رضي الله عنها - بوادى الحبشة، فَحُمِلَ من مكانه إلى مكة فدفن فيها، فأتيناها نعزيها فقالت: "ما أجدُ في نفسي ، أو يُحزنُني في نفسي إلَّا أنِّي ودِدتُ أنَّه كان دُفِنَ في مكانهِ". صحح الشيخ الألباني رحمه الله إسناده في أحكام الجنائز.
أرى في هذا القدر كفاية وغنية للمحتاج، وأنصح بمدارسة كتاب أحكام الجنائز وبدعها للشيخ العلاَّمة الإمام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، الذي أسأل الله أن يرزقنا عالما مثله يجمع الله به ما تفرق.
كما أنصح إخواني المغتربين بإن يوصوا ويتواصوا بهذين الأمرين، والله من وارء القصد.



(1) وانا لا أتحدث هنا عن تأخير الساعة والساعتين، بل الساعات الطوال والتي تصل في بعض الأحيان الى اليوم واليومين.
كما لا يفوتُني التنبيه على عدم الإستعجال المخل بدفن الميّت قبل أن يتم التأكد والتحقق من أنه مات فعلاً.
(2) ويا أسفي على المسلمين، فكثيرٌ من الناس من يستسهل أمر نقل الجسد، خاصة أن تكلفة نقل الجسد غالبا ما تكون على حساب شركات التأمين أو صاحب عمل المتوفى.
(3) للفاءات فى اللغة العربية أنواع كثيرة.
(4) وكذلك روي فى وفاة ودفن أم المؤمنين عائشة ضى الله عنها.
(5) والحديث فيه من الفوائد غير محل الشاهد الكثير، يراجع فى الفتح كتاب الجنائز باب موت يوم الاثنين.
(6) طبعة دار الوفاء، د.رفعت فوزي عبدالمطلب.
(7) الحديث صح مرفوعا وموقوفا.
(8) والحديث أرجوا أن يكون حسن كما ذكر الشيخ الألباني رحمه الله وإن كان فى القلب منه شيئ لتفرد حيي بن عبد الله المعافري المصري به.

الجمعة، 27 أكتوبر 2017

مصارف الأموال الربوية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرّحَيِم
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وبعد......
فقد كنت ومازلت من أشد المعارضين للإنتفاع بالأموال الربوية المسماة زوراً بالفوائد البنكية ، وهي الأموال المتحصلة من (البنوك) ([1]) لحق العميل الدائِن أو المُودع، إلاَّ بوجهٍ عامٍ أو من خلال المصالح المشتركة لعموم الناس لا لخواصهم.
وكان يقع كثيراً من الجدال بعضه بحق وعلم، وأكثره باطل، في توسعة باب الإنتفاع العام الذي وقع شِبْه إتفاق بين جمهور العلماء المعاصرين عليه بخصوص (مصارف الأموال الربوية).
حتى وقعت شخصياً في خلاف مع أحد الفضلاء من أهل العلم الذين كانوا يرون جواز شراء الكتب الشرعية من تلك الأموال وجعلها كذلك في طباعة بعضها.
واليوم و لكثرة تلك الأموال كثر التساؤل حول مصارفها وكثر المتجرؤون على الفتوى بجواز صرفها على الفقراء كصدقات لهم تعينهم فى معيشتهم زعموا.
والذي أخشاه أن صاحب ذلك الرأي يحمله بفهم خاطئ على قاعدة المصالح المرسلة
وهي ليست كذلك، أو أنه لا يرى بحرمة التعامل مع البنوك بقواعد معاملاتها المعاصرة.
والذي يرى عدم جواز أكل الربا لابدَّ وأن يري كذلك تحريم إِطْعَامِ الربا، فلا فرق حُكماً بينهما وهكذا جاء الخبر عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ ، وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ) رواه مسلم.
والعلماء حين بينوا مصارف الربا ولم يجعلوا باباً في إنفاقها على الفقراء والمساكين لم يكونوا وقتها غير عابئين بهم أو جاهلين بمعاناتهم وعوزهم ولكنهم أي العلماء أعلم بأن الله أرحم وأشفق بهم وعليهم منا وأعلم بحاجتهم وما ينفعهم، لذا لابد أن نُحْسِنَ القياس ولا نُزَيِنَهُ بعقولنا.
لا أن نُحَسِّنَ الإستحسان المخالف للدليل وللنصوص الوحييه الذي حذر الشافعي رحمه الله فاعله حين قال:"من استحسن فقد شرع" بل له مؤلف فى إنكار هذا الامر وهو "إبطال الإستحسان".
أخي المسلم الغني ، لا ، ليس أفضل للفقير أن تُطعمه من حرامٍ وتكسوه من حرامٍ وتعلمه من حرامٍ أو تُؤْوِيهِ من حرامٍ، فإنَّ له رباً أغني عن مالِكَ الربوي.
هذا والله عزَّ وجلَّ يقول : (يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) ونحن إن أردنا بصدق وعزم أن نكون مع الأنبياء والصديقين والشهداء لابد أن نأخذ بالقرآن والسُّنة بقوة ، إخوتي المصلحة الخالصة هي بنشر تحريم الربا بين الناس وتوضيح أضراره الإقتصادية والسياسية والإجتماعية لا بالركون الى بعض من منافعه العاجلة سواء كان للفرد صاحب المال أو للفقير الذي سيعود اليه ذلك النفع.
ولا أقصد بكلامي هذا غمزاً ولا لمزاً فى أحدٍ من علماءنا أو إخواننا ولكن هذا ما أذهب إليه والله يغفر لى ولهم.
وأخيراً بعض المرافق العامة التي يجوز إنفاق المال الربوي فيها:
وهي التي تعود منفعتها على جماعة المسلمين وليس إلى فردٍ منهم، وهي وإن كانت مفسدة إلاًّ أنها مفسدة أقل من مفسدة ترك ذلك المال للبنك كما قرر جماعة من العلماء.
1-            حفر آبار ماء كسبيل في مكان ليس فيه ماء.
2-            تعبيد طريق ولو كان من الطرق الداخليه كالحواري والأزقة.
3-            تشيد جسور على المجاري المائية "والناس فى كثير من المدن الريفية بحاجة إليه".
4-            تشيد و صيانة دورات المياه العامة والمرفقة بالمساجد.
5-            شراء أدوات صيانة ونظافة للمساجد والجامعات و المدارس.
////(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)////
والله تَعالى أَعلى وأعلَم



(1)  يحلوا لبعض الدعاة وضع كلمة (ربوية) وكأن هنا بنوكاً في الواقع المعاصر غير ربوية، والذي أراه أن البنوك لا تختلف في معظم (كل) البلاد الإسلامية وغيرها ، في تعاملاتها اللهم إلاَّ من تسمية تلك النسبة الربوية وإن كانت تتفق في أصول معظم معاملاتها، فيما بينها أو في معاملاتها بين عملائها الدائن منهم و المدين.

المتابعون