بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 28 يناير 2012

بطلان قصة (تقويم إعوجاج عمر رضى الله عنه بالسيف)


وهى القصة المشهورة عند بعض الدعاة ، خاصة أصحاب الفرق الخارجية منهم و التى لا توالى حكام المسلمين ، ولا تزعن لهم بالطاعة .
فيقومون بترويج تلك القصص الواهية لنفث فتنهم وترويج بضاعتهم بين الناس ، وبخاصة طلاب العلم الذين إبتلوا أنفسهم بالجلوس الى هؤلاء ، وحرموها من مخالطة العلماء المخلصين ، وتلقى ما عندهم من علم.
فهذا الاثر وما على شاكلته لا تُروى مسندة فى دواوين أهل السنة المعتبرة بل وهذا الاثر بالذات لا يروى مسندا لا فى دواوين السنة المعتبرة ولا فى غيرها فهو أثر لا أصل له.
ومع نكارته فهو مخالف لإجماع المسلمين فى عدم جواز الخروج على الحكام او عزلهم .
وكنت قد بدأت البحث فى هذا الاثر ، ثم إن الله وفقني فى الوقوف على مقالة للشيخ على حشيش منشورة فى مجلة التوحيد ، فى باب له سماه:
الداعية والقصص الواهية
قصة تقويم إعوجاج عمر رضى الله عنه بالسيف
الشيخ على حشيش
 نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم لبيان حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الوعاظ والقصاص بما فيها من افتراءات واشتهرت أيضًا في كتب التواريخ والأدب واتخذها الخوارج والمعتزلة دليلاً على الخروج على الحكام، وبمثل هذه القصص الواهية انتشرت الفوضى واغتيل حكام وقتل أبرياء، وابتغوا سبيل الخوارج بهذه الواهيات فضل سعيهم وأشعلوا نيران الفتن في بلادهم «وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا» الكهف
وإلى القارئ الكريم حقيقة القصة الواهية
لقد أورد عباس محمود العقاد هذه القصة في كتابه «عبقرية عمر» حيث قال «ومن ذلك الرواية المشهورة التي سأل الناس فيها أن يدلوه على عِوَجه فقال له أحدهم «والله لو علمنا فيك اعوجاجًا لقومناه بسيوفنا» فحمد الله أن جعل في المسلمين من يقوِّم اعوجاج عمر بسيفه» اهـ
قلت وإن تعجب فعجب أن هذا الكتاب الذي جاءت به هذه القصة كان مقررًا على طلاب المرحلة الثانوية بمصر عام هـ المجتمع في فترة من أشد الفترات التي مرت بها البلاد، حيث انتشر فكر الخوارج بين الشباب بمثل هذه القصص الواهية التي يربى عليها الشباب في وزارة التربية والتعليم دون تحقيق ودون مقارنة علمية بين هذه القصة التي تحمل منهج الخوارج وبين منهج أهل السنة والجماعة الذي به يتحقق الأمن والتمكين لأمة خاتم النبيين
وبعدم بيان نكارة هذا المنهج انتشرت الفتنة مما أدى إلى الاغتيالات والقتل وزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد
الدراسة العلمية في مثل هذه المعاهد تقتضي بيان منهج أهل السنة والجماعة وبيان منهج هذه الفرق الضالة التي تعتمد على مثل هذه القصص الواهية فيستطيع الطالب من خلال هذه الدراسة التحليلية أن يعرف نكارة هذه القصة وأثرها السيء في الأمة
الكاتب لم يبين هذا، وإن تعجب فعجب من قوله «ومن ذلك الرواية المشهورة» فيظن من لا دراية له بالصناعة الحديثية أن القصة صحيحة ولكن هيهات، فإن الشهرة أقسام حيث إن الخبر المشهور ينقسم إلى أقسام من وجوه
الوجه الأول من حيث الصحة ينقسم إلى
أ صحيح
ب ضعيف
الوجه الثاني من حيث الاصطلاح ينقسم إلى
أ شهرة اصطلاحية
ب شهرة غير اصطلاحية
الوجه الثالث من حيث موضع الشهرة في السند تنقسم الشهرة الاصطلاحية إلى
أ مطلقة
ب نسبية
ولذلك قال الإمام الحافظ ابن كثير في «اختصار علوم الحديث» النوع الثلاثون «وقد يشتهر بين الناس أحاديث لا أصل لها أو هي موضوعة بالكلية وهذا كثير جدًا» اهـ
ثم ضرب أمثلة على هذا النوع الذي اشتهر بين الناس ولا أصل له منها «يوم صومكم يوم نحركم»
قلت ومنها «يس لما قرئت له»
لا أصل له هكذا، قال السخاوي في «المقاصد» ح ووافقه القاري في «المصنوع» ح
بالبحث وجد أن هذه الشهرة التي لم يحققها الكاتب ويبين نوعها هي شهرة غير اصطلاحية، حيث إن هذه القصة التي اشتهرت في كتب التواريخ والأدب لا أصل لها وعلامات الوضع ظاهرة عليها كما هو مبين في أقسام الوضاعين، ومبين أيضًا بما يعرف به الوضع بقرائن في الراوي أو المروي أو فيهما معًا
فقد نقل محدث وادي النيل الشيخ أحمد شاكر في «الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث» النوع الحادي والعشرون معرفة الموضوع المختلق المصنوع قول الحافظ ابن حجر ومما يدل في قرينة حال المروي ما نقل عن الخطيب عن أبي بكر الطيب أن من جملة دلائل الوضع أن يكون منافيًا لدلالة الكتاب القطعية أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي» اهـ
قلت ودلالة الوضع ظاهرة على هذه القصة الواهية المشهورة شهرة غير اصطلاحية حيث لا أصل لها، وهي منافية لدلالة الكتاب والسنة والإجماع على عدم الخروج على الحكام لأخطائهم
فالإجماع الذي انعقد عند أهل السنة والجماعة على ذلك مبني على النصوص الشرعية الواضحة التي تواترت بذلك، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما أخرجه مسلم في «صحيحه» كتاب الإمارة ح حيث قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا عيسى بن يونس، حدثنا الأوزاعي عن يزيد بن يزيد، عن جابر بن رُزَيْق بن حيان، عن مسلم بن قَرَظَة، عن عوف بن مالك، عن رسول الله قال «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم» قيل يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف ؟ فقال «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئًا تكرهونه فاكرهوا ولا تنزعوا يدًا من طاعة»
قلت وهذا الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم في «صحيحه» يبين أن الخبر الذي جاءت به هذه القصة الواهية «قصة تقويم اعوجاج عمر رضي الله عنه بالسيف» خبر منكر ظاهر البطلان من وضع الخوارج، وهو لا أصل له، أي لا سند له، حيث قال ابن تيمية رحمه الله معنى لا أصل له، أي ليس له إسناد، أورده السيوطي في تدريب الراوي
وبهذا يتبين أن قصة «تقويم اعوجاج عمر بالسيف» منكرة ومخالفة للإجماع الذي بيناه آنفًا، وهذا من جملة دلائل الوضع التي نقلها الحافظ ابن حجر عن الخطيب عن أبي بكر الطيب
قصة صحيحة لحذيفة مع النبي
فقد أخرج الإمام مسلم في «صحيحه» كتاب الإمارة ح من حديث قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال قلت يا رسول الله، إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر ؟ قال «نعم» قلت هل وراء ذلك الشر خير ؟ قال «نعم» قلت فهل وراء ذلك الخير شر قال «نعم» قلت كيف ؟ قال «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال، قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس»
قال قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال «تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع» اهـ
وقد أخرج الإمام البخاري ومسلم في «صحيحيهما» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني» اهـ
قلت وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله على هذا الحديث في كتاب «الأحكام» من «صحيحه»، فقال باب قول الله تعالى «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ» النساء
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله «وفي الحديث وجوب طاعة ولاة الأمور وهي مقيدة بغير الأمر بالمعصية» اهـ
قصة أخرى واهية في تقويم اعوجاج عمر ولكن لا سيف فيها
أخرج ابن أبي شيبة في «مصنفه» ح قال حدثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن حذيفة قال «دخلت على عمر وهو قاعد على جذع في داره وهو يحدث نفسه فدنوت منه، فقلت ما الذي أهمك يا أمير المؤمنين، فقال هكذا بيده وأشار بها، قال قلت ما الذي يهمك والله لو رأينا منك أمرًا ننكره لقومناك، قال اللهِ الذي لا إله إلا هو لو رأيتم مني أمرًا تنكرونه لقومتموه، فقلت اللهِ الذي لا إله إلا هو، لو رأينا منك أمرًا ننكره لقومناك، قال ففرح بذلك فرحًا شديدًا، وقال الحمد لله الذي جعل فيكم أصحاب محمد من الذي إذا رأى مني أمرًا ينكره قومني» اهـ
التحقيق
هذه القصة واهية علتها يحيى بن عيسى الرملي، ولقد بيَّن الإمام البخاري نسبته وكنيته فقال في «التاريخ الكبير» ترجمة «يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن الرملي سمع الأعمش وهو التيمي أبو زكريا الكوفي سكن الرملة النهشلي الخزاز سمع سفيان قال يوسف الصفار ويقال يحيى بن عيسى بن محمد» اهـ
قال الإمام ابن حبان في «المجروحين»
أ يحيى بن عيسى بن محمد التميمي الرملي أصله من الكوفة انتقل إلى الرملة كنيته أبو زكريا، وكان خزازًا يروي عن الأعمش والثوري روى عنه الشاميون، مات سنة إحدى ومائتين، وكان ممن ساء حفظه وكثر وهمه حتى جعل يخالف الأثبات فيما يروي عن الثقات، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به
ب أخبرنا محمد بن زياد الزيادي قال حدثنا ابن أبي شيبة سمعت يحيى بن معين وذكر له يحيى بن عيسى الرملي، فقال كان ضعيفًا
جـ سمعت محمد بن محمود سمعت الدارمي قلت ليحيى بن معين فيحيى بن عيسى الرملي تعرفه ؟ قال نعم، ما هو بشيء
قلت ونقل الشيخ الألباني رحمه الله هذا الكلام من طريق الحافظ الدارمي عثمان بن سعيد عن يحيى بن معين وضعف به الحديث في الضعيفة «النظر إليَّ عبادة»، بل جعله موضوعًا، ولذلك لم يروي له الإمام مسلم احتجاجًا لأنه كما قال الإمام ابن حبان «بطل الاحتجاج به»، وكذلك ضعف به الحديث في «سلسلته الضعيفة»
وكذلك الحديث من طريق يحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش وضعفه بالرملي وتدليس الأعمش
وفي الأسئلة التي وجهها أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي للإمام الكبير أبي زكريا يحيى بن معين في «سؤالات الدارمي ليحيى بن معين» رقم
قلت فيحيى بن عيسى الرملي تعرفه ؟ فقال نعم ؟ ما هو بشيء
وأورده العقيلي في «الضعفاء الكبير» قال
أ حدثنا محمد بن عثمان، قال سمعت يحيى بن معين وذكروا له حديث يحيى بن عيسى الرملي فقال كان ضعيفًا وكان يسكن الرملة
ب حدثنا محمد، قال حدثنا عباس، قال سمعت يحيى، يقول يحيى بن عيسى الرملي ليس بشيء
جـ حدثنا أبي، قال سألت أبي، عن يحيى بن عيسى الرملي، فقال ما أدري ما كتبت عنه شيئًا
وأورده ابن عدي في «الكامل في ضعفاء الرجال» قال حدثنا محمد بن علي، ثنا عثمان بن سعيد، قلت ليحيى بن معين فيحيى بن عيسى الرملي ما تعرفه ؟ قال نعم ما هو بشيء، قال عثمان هو كما قال يحيى هو ضعيف قلت ونقل هذا القول أيضًا الشيخ الألباني رحمه الله في «الضعيفة» وقال «هذا كالنص من الإمام الدارمي على أن قول ابن معين في الراوي ما هو بشيء»، ومثله «ليس بشيء» معناه عنده أنه ضعيف فلا تعتبر بما ذكره أبو الحسنات في «الرفع والتكميل» ص مما يخالف هذا فإنه من تكلفات المتأخرين وآرائهم اهـ
قلت ثم أخرج الإمام ابن عدي أحاديث من مناكيره منها الحديث الموضوع «النظر إلى وجه علي»، وقال وهذا يرويه عن الأعمش بهذا الإسناد يحيى الرملي، ثم ختم هذه الأحاديث المنكرة بقوله «وليحيى بن عيسى غير ما ذكرته وعامة رواياته لا يتابع عليها» اهـ

ضعف حديث " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي "


والحديث مشهور بين الناس وكثير من الدعاة يتعاملون معه خصوصا عند الكلام على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، إما ظنا منهم بصحة الحديث و إما جهلا بوجوب سياقه بإحدى صيغ التضعيف و التى منها على سبيل المثال ( روي – قيل –حكي ) لذا وجب التنبيه على ضعفه و الله أعلم .
الحديث :
لما توفي أبو طالب خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ماشيا على قدميه فدعا إلى الإسلام قال – اى الراوي وهو عبدالله بن جعفر بن أبي طالب -  فلم يجيبوه قال فانصرف فأتى ظل شجرة فصلى ركعتين ثم قال – رسول الله صلى الله عليه وسلم – " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين أنت أرحم بي إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني أم إلى القريب ملكته أمري ، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي غير أن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك ".
قلت : الحديث ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة " (رقم/2933).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (المجموعة الثانية: 3/208):"هذا الحديث ضعيف من جهة إسناده" انتهى.
برئاسة عبد العزيز بن عبد الله بن باز وعضوية عبد الله بن غديان ، عبد العزيز آل الشيخ ، صالح الفوزان ، بكر أبو زيد .

الخميس، 26 يناير 2012

الطلاق الصوري

يقول الله تعالى "  فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " النحل43
و يقول النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم :( الدين النصيحة ، ثلاثا قلنا لمن يا رسول الله، قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه مسلم من حديث أبى رقية تميم بن أوس الداري رضى الله عنه .
وعند مسلم أيضا ، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( حق المؤمن على المؤمن ست ، فذكر منها وإذا استنصحك فانصح له).
وتلك النصيحة من واجبات الدين وكماله ، وما خسر المسلمون اليوم من خسارة أكبر و أفدح من ترك النصيحة ، فبسبب ذلك قلَّ العلم ، وانتشر الشِّرك ، وكثرت بين الناس فتاوى أَنصاف طلاب العلم .
والنصيحة أَعم و أشمل من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، فإنها تشمل أمري الدنيا و الآخرة معاً .
وهنا مسألتان لابد أن أُلفت نظر الناس إليهما ، يتشابهان فى الواقع مع تشابههما بغيرهم من المسائل ، ويجتمعان فى الحكم الشرعي.
وصورتهما ما اصطلح على تسميته بـ " الطلاق الصوري ".
وهو ان يُطلِّق الرجل زوجه ، غالبا لغرض أو مصلحة دنيوية عارضة ، تختلف من شخص الى آخر ، ومن مجتمع الى مجتمع.
والثانية أن تسعى المرأة بنفسها وراء ذلك الطلاق ، لنفس تلك المصالح المذكورة .
وكل تلك الصور جميعها تتفق على أمر واحد ، وهو عدم فهم الناس لحقيقة النكاح  و الطلاق .
فلابد إذا أن أوضح أولا ، أن الطلاق هو حَلٌّ لعُقدة النكاح من طرف الزوج ، فهو مفارقة الزوج لزوجه وفسخ ذلك العقد الذي سماه الله ميثاقاً غليظاَ .
ذلك العقد الذي إعتني به الشرع الحنيف ، لما يترتب عليه من مسائل و أحكام كبيرة ،  ترتبط بتكوين الاسرة ، التي هى نواة للمجتمع المسلم القويم .
لذا سماه الله كما ذكرت آنفا ميثاقاً غليظاَ ، قال الله تعالى :" وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً " النساء21 . أي ذلك العقد ، وفيه القيام بحقوق المرأة كاملة غير منقوصة كلٌُ بحسبه ، ولعلك لا تجد تلك الكلمة فى كتاب الله ، والله أعلم ، إلاَّ وهى مرتبطة بأعلا درجات المواثيق و الإرتباط ، كما فى قوله تعالى شأنه : " وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً " الأحزاب7.
وأنظر معى يا راعاك الله الى قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فى خطبة حجة الوداع قال: ( واستوصوا بالنساء خيراً ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله و استحللتم فروجهن بكلمة الله ) الحديث عند مسلم من رواية جابر بن عبدالله رضى الله عنه.
بل إن من عظم تلك الكلمة وذلك الميثاق نهيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن اللعب به قولا أو عملا فقال : ( ثلاثٌ جدًُهن جد، وهزلهنَّ جد: النكاح، والطلاق، والرجعة )  رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، و الحديث حسن لغيره ، ونقل صاحب عون المعبود في شرح سنن أبي داود عن الخَطَّابي - رحمهم الله – قوله: اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان الإنسان العاقل البالغ فإنه يؤاخذ به، ولا ينفعه أن يقول ، كنت لاعباً أو هازلاً، أولم أنوه طلاقاً ، أو ما شابه ذلك من الأمور.
وقد فسر بعض العلماء الهزل فى الحديث : هو أن يراد بالشيئ غير ما وضع له بغير مناسبة بينهما.
والله عزَّ وجلَّ يقول : " وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً " البقرة231 .
فالحق أن آيات الله أعظم من أن تمتهن لغاية دنيوية مهما كانت ، والغاية عند المسلمين المستمسكين بدينهم أبداً لا تبرر الوسيلة ، إنما تلك حجة المفسدين فى الارض.
فكما لا يصح الزواج الصوري من أجل مصلحة ما ، فلا يصح كذلك الطلاق الصوري لمصلحة ما.
ولا يقاس و الحالة كهذه ، هذا الفعل على فعل المكره ، فهنا الفعل بملء الإرادة و الأختيار.
ولو ذهبنا الى القول ، أن هذا الرجل سيفعل هذا الامر – الطلاق – أمام الجهات الرسمية ثم يراجعها لعصمته ( لو كانت تلك الطلقة – رجعية - هى الاولى أو الثانية) ، لقلنا إن فى هذا الامر ضرر بالغ على الزوج و الزوجة والمجتع بأكمله ، فهو لن يستطيع رسمياً أن ينسب ولده منها إن رزق بولد ، وهي لن تستطيع أن ترث فيه إن توفاه الله ، و المجتمع اذا ما إعتد بمثل تلك الفتاوى وسارات فيه سُنَّة و عمل بها سيقع فيه فساد عظيم ، فالجميع إلا من رحم ربي لا يرضى بحاله ولا يقنع لا بالكثير ولا بالقليل .
أضف الى هذا أنهم فى نظر الدولة و القانون منفصلين شرعاً.
فلو أرادت المرأة أن تتزوج من رجل غيره (زوج ثان) ، لفعلت ذلك رسمياً ، ولقلنا أن الزوج الاول صاحب العقد الصحيح ، يحمل جزءا من الوزر ، وما على الزوج الثاني صاحب العقد الفاسد من سبيل ما دام جاهلا .
ولا يصح  و الحالة كهذه ( مع عموم تلك البلوى ) أننا نقول بتخصيص تلك الفتوى ( رخصة الطلاق الصوري ) لبعضٍ دون بعض ، فهنا المُفتِى يَشُذُّ بفتواه عن الرأى السائد وشبه المجمع عليه ، وإن كنا لا نستطيع أن نَذُمُّه لأن له مستند فى تلك الفتوى ، إلاَّ أنه يُذَمُّ لعدم نظره تلك النظرة الإعتبارية التى رأها جمهور الفقهاء ومخالفته لهم فيها.
وهنا أرى أنه قد لزم على تذكرة الناس بمثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخاري ومسلم من حديث أبي حمزة أنس بن مالك رضى الله عنه .
وأنا والله لا أرضاه لأُمي ولا لأختي ولا لإبنتى ، فهل الذي أفتى بمثل هذا يرضاه على من ولاه الله عليهنَّ .
لذا وغيره أقول بعدم جواز مثل هذا التحايل ، وفساد ذلك العمل ، وأن النية الصالحة أبداً لا تُبيحه و لا تُصلحه .
وأن الطلقة إذا وقعت أمام المحاكم الرسمية للدولة ، سواءً نَوَى صاحِبُها طلاقاً أو لم يَنْوه ، حُسبت عليه طلقة و إِعْتُدَّ بها ، فإن كانت طلقة رجعية – أُولى أو ثانية " الطلاق مرتان "- فعليه ان يراجعها رسمياً كما طلقها ، ولا يكتفى بكتابة ورقة - ولو أشهد عليها – ضماناً للحقوق الخاصة و تسيراً للحقوق العامة للمجتمع .
وإن إكتفى بكتابة ورقة عليه أن يشهد عليها إثنان ذوي عدل ، وقد إستبدل بذلك الذى هو أدنى بالذي هو خير.
وان كانت تلك الطلقة الثالثة – البائنة – فقد بانت منه ، ولا يصح أن يراجعها حتى تنكح زوجا غيره ، نكاحا صحيحاً .
وهنا مسألة ، هل يقال بعذر فاعل هذا الامر – العذر بالجهل – خاصة وأنه قد إستفتى به بعض طلبة العلم قبل العمل به.
أقول لو أنه جاهلٌ فعلا بالحكم الشرعي ، وعدم فهم مقاصد الشريعة ، فالعذر بالجهل هنا فيه تفصيل ، بحسب كل حالة ، وعلى المستفتى أن ينظر بعين الاعتبار فى كل مسألة على هذه الشاكلة ، ولكل شخص على حدة، والله أعلم.
و أخيراً ، يقول الله عزَّ وجلَّ :"  وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ " الطلاق 2 - 3
ويقول سبحانه : " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً " الطلاق 4       
ويقول: " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً " الطلاق 5
ويقول: " لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً " الطلاق 7
وعنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: ( ومن سن في الإسلام سنة سيئة ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده . من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) الحديث عند مسلم رحمه الله من رواية جرير بن عبدالله رضى الله عنه .
وعن أسيد بن ظهير عن رافع بن خديج رضى الله عنه قال:( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاكم عن أمر كان لكم نافعا، وطاعة الله وطاعة رسوله أنفع لكم ) صححه الشيخ الألباني رحمه الله فى الإرواء فقال : وإسناده صحيح، وأسيد بن ظهير صحابيُّ جليل.
وليعلم أن التحايل على القانون الذي وضعه الحاكم ليُقَومَ به عوج المجتمع ، مخالفة صريحة لصريح الكتاب و صحيح السنة.
والخلاصة أن الطلاق الموثق فى المحكمة أو الجهات الرسمية باللفظ الصريح ، او بالكتابة دون اللفظ ، يوقعه أهل العلم ولو لم ينويه صاحبه طلاقاً ، إلاًّ أن يكون مُكرهاً على فعل ذلك ، والله أعلم .
قال ابن القيم –رحمه الله- فى إعلام الموقعين "4/257" : حقيق بالمفتي أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم). وكان شيخنا- يعني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- كثير الدعاء بذلك ).
قلت : وكان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يستفتح به صلاته اذا قام من الليل والحديث عند مسلم من رواية عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها.
سبحانك الله وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك
وصلِّ اللهم وسلم على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم

المتابعون