بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 18 فبراير 2014

ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة


بسم الله و الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، صلى الله عليه و على آله وصحبه وسلم وبعد،

فهذه تذكرة سريعة ، بسيطة فى عدد كلماتها عظيمة فى معناها.

إِِنَّمَا يَعْرِفُ الْفَضْلَ لأَهْلِ الْفَضْلِ ذَوُو الْفَضْلِ - رُوي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح بل هو موضوع ومعناه صحيح -.

روى الإمام الذهبي رحمه الله في كتابه سير أعلام النبلاء قال:

قال يونس الصدفي - وهو يونس بن عبد الأعلي -:

( قال مارأيت أَعْقلَ من الشَّافِعِيّ , ناظرته يوماً في مسألةٍ ثم افترقنا ، ولَقيني ، فأَخذ بيدي ثم قال : " يا أبا موسي ، ألا يَسْتَقِيمُ أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة" ).
قال الذهبي : " هذا يدل علي كمال عقل هذا الإمام ، وفقه نفسه ،  فما زال النُظراء يختلفون"

قَالَ الشَّافِعِيُّ : " مَا نَاظَرْتُ أَحَدًا ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يُخْطِئَ ، وَمَا فِي قَلْبِي مِنْ عِلْمٍ ، إِلا وَدِدْتُ أَنَّهُ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ ، وَلا يُنْسَبُ إِلَيَّ ".

رحم الله الأئمة الأعلام النبلاء، أهل التقوى و الورع.

الأحد، 16 فبراير 2014

التَّرتِيِبُ في قَضَاءِ الفَوَائِتِ

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

فهذا مَبْحَثٌ بسيط ارجوا به السداد و التوفيق ، فى نظر مسألة إعادة الصلاة المكتوبة فى حالِ قضائها إن فات وقتها ودخلت عليها صلاة حاضرة أخرى.

مثال ذلك : رجل فاتَتْهُ صلاة الظهر، فجاء إلى المسجد، فوجد صلاة العصر قد أقيمت-الجماعة-، فهل يصلي الفائتة قبل العصر أو لا ، وهل لو صلى العصر أولا ثم صلى الظهر قضاءً ، هل يعيد العصر لوجوب الترتيب.

مثال آخر : رجل فاتَتْهُ صلاة العصر، فجاء إلى المسجد، فوجد المغرب قد أقيمت-الجماعة-، فهل يصلي الفائتة قبل المغرب أو لا، وهل لو دخل مع الجماعة وصلى المغرب هل يجب عليه الإعادة ثانية بعد قضاء العصر لوجوب الترتيب.

أولا تعريفٌ :

جاء فى الموسوعة الفقهية ، وزارة الاوقاف و الشئون الاسلامية - الكويت - ص 25/ج 34.

من معاني القضاء في اللّغة : الحكم والأداء .

واصطلاحاً : قال ابن عابدين : القضاء فعل الواجب بعد وقته .

والفوائت في اللّغة جمع فائتة ، من فاته الأمر فوتاً وفواتاً : إذا مضى وقته ولم يفعل .

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللُّغويّ .

وقضاء الفوائت عند الفقهاء : قال الدردير : استدراك ما خرج وقته . اهـ.

ثانياً الأدلة التي تدور حولها المسألة:

من الكتاب العزيز:    

قوله تعالى : ( فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُم فَإِذَا اطْمَأْنَنتُم فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً ) سورة النساء – 103

ومحل الشاهد من الآية كما سيأتي، قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً ).

من السُّنَّةِ النَّبَوية:

1- حديث مالك بن الحويرث رضى الله عنه قال : أتينا إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ونحن شببةٌ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يومًا وليلةً، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رحيمًا رفيقًا، فلما ظَنَّ أَنَّا قد اشتهينا أهلَنا، أو قد اشتقْنا، سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه، قال : "ارجِعوا إلى أهلِيكم، فأقيموا فيهم وعلِّموهم ومُرُوهم" . وذكر أشياءَ أحفظُها، أو لا أحفظُها، "وصلوا كما رأيتموني أُصلي، فإذا حضرتِ الصلاةُ، فلْيؤذنْ لكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم". صحيح البخاري

ومحل الشاهد من الحديث كما سيأتي، قوله صلى الله عليه وسلم "وصلوا كما رأيتموني أصلي".

2- عن جابرِ بنِ عبد الله - رضى الله عنهما - أن عُمرَ بنَ الخطابِ - رضى الله عنه - جاء يومَ الخَندقِ بعدما غرَبتِ الشمسُ، فجعَل يَسُبُّ كفارَ قريشٍ، قال : يا رسولَ اللهِ، ما كِدتُ أُصلي العصرَ، حتى كادَتِ الشمسُ تغرُبُ، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه و آله وسلَّم : "واللهِ ما صليتُها" . فقُمنا إلى بُطحانَ، فتوضَّأ للصلاةِ وتوضَّأنا لها، فصلَّى العصرَ بعدما غرَبتِ الشمسُ، ثم صلَّى بعدَها المغرِبَ. الحديث عند الشيخين وغيرهما و اللفظ للبخاري رحمهم الله .
قلت: ومحل الشاهد من الحديث كما سيأتي ، حكاية فعل النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الحافظ ابن حجر: ولا ينهض الاستدلال به لمن يقول بوجوب ترتيب الفوائت إلا إذا قلنا إن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة للوجوب، اللهم إلا أن يُستدل له بعموم قوله ‏"‏صلوا كما رأيتموني أصلي‏"‏ فيقوى، وقد اعتبر ذلك الشافعية في أشياء غير هذه‏.‏إهـ (فتح 505/2 طبعة دار أبي حيان).

هذا ولم يَثبُتْ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه صلَّى على غير الترتيب المعروف بحالٍ من الأحوال.

3- عن سليمانَ بن يسار مولى ميمونةَ رضى الله عنها قال : أتيت على ابنِ عمرَ -رضى الله عنه - وهو بالبلاطِ والقومُ يُصِلُّونَ في المسجدِ قلت : ما يمنعُك أن تصليَ معَ الناسِ أو القومِ ؟ قال : إني سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ قال : "لا تُصلوا صلاةً في يومٍ مرتينِ" . الحديث فى مسند الإمام أحمد وغيره وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر رحمه الله وكذا صححه الألباني رحمه الله.

قال فى عون المعبود (202/2):

قال في "الإستذكار لابن عبد البر" : اتفق أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه على أن معنى قوله صلى الله عليه و آله وسلم "لا تُصلوا صلاةً في يومٍ مرتينِ" أن ذلك أن يصلي الرجل صلاة مكتوبة عليه ثم يقوم بعد الفراغ منها فيعيدها على جهة الفرض أيضا ، وأما من صلى الثانية مع الجماعة على أنها نافلة اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم في أمره بذلك، فليس ذلك من إعادة الصلاة في يوم مرتين لأن الأُولى فريضة والثانية نافلة فلا إعادة حينئذ ٍ. إهـ

قلت : وهذا مما شَرَعَهُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأُمَّتِهِ نَصاً فلا مُكابرة فيه ، بخلاف من أعاد الصلاة من أجل الترتيب قياساً والله أعلم.

والذي أراه – غفر الله لى – أن أهل الأثر المحققين من سلفنا الصالح إنما أَسقطوا الترتيب بخوف فوت الجماعة بناءً وجمعاً ودفعاً للتعارض بين الأدلة الموجبة للترتيب وبين حديث رسول الله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلم : "لا تُصلوا صلاةً في يومٍ مرتينِ"، والذي جعل والله أعلم أهل الأثر المحققين المعاصرين كالشيخ العلاَّمة الفقيه ابن باز رحمه الله وعلماء اللجنة الدائِمة بالمملكة يفتون بجواز دخول المأموم مع إمامه على غير النية التى عليها ، ولكن هنا يَقَعُ إشكال فى الجمع الخلافي بين النِيَّتين وبين أعمال الصلاة فى حالة الجمع بين صلاتي المغرب و العشاء مثلا.

فالذي ذهب إليه الوالد العلامة الفقيه ابن باز رحمه الله أنه أي المأموم يجلس بعد الركعة الثالثة فى إنتظار إنتهاء الإمام ثم يسلم معه ، فهنا قد وقع خلاف ما أمر به رسول الله من أمر متابعة الإمام ، ليس نيةً فقط بل أداءً أيضا مما يدخل على هيئة صلاة الجماعة ماليس منها.

وكذا ما ذهب إليه الفقيه العلامة ابن عثيمين رحمه الله حيث أشار أن مفارقة المأموم بعد الركعة الثالثة لإمامه بعد أن يجلس و يأتي بالتشهد الأخير فى حقه ،ثم يلحق بالإمام فى الركعة الأخيرة له من العشاء وتكون الأولى فى حق المأموم ، من الأعذار التي تبيح مفارقة الإمام فى الصلاة، وأنا وإن كنت أعلم جواز مفارقة الإمام بشروط ليس هذا محل ذكرها إلاَّ أن هذا العمل أيضا فيه مخالفة و الله أعلم لصفة صلاة الجماعة.

4- حديث أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا . لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ (وَأَقِمْ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي) " طه:14.

وقد بوب البخاري رحمه الله للحديث باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر ولا يعيد إلا تلك الصلاة وقال : وقال إبراهيم : من ترك صلاة واحدة عشرين سنة لم يُعد إلا تلك الصلاة الواحدة.

ثم بوب بعد هذا باب قَضَاءِ الصَّلاةِ الأُولَى فَالأُولَى أورد فيه حديث جابرِ بنِ عبد الله - رضى الله عنهما - أن عُمرَ بنَ الخطابِ - رضى الله عنه - جاء يومَ الخَندقِ بعدما غرَبتِ الشمسُ، فجعَل يَسُبُّ كفارَ قريشٍ...... الحديث .

5- حديث أبي جمعة حبيب بن سباع أنَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عام الأحزابِ صلى المغربَ ونسيَ العصرَ ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لأصحابِه : "هل رأيتموني صليتُ العصرَ " قالوا : لا يا رسولَ اللهِ ! فأمَر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المؤذِّنَ فأذَّن ، ثم أقام الصلاةَ فصلى العصرَ ونقَص الأولى ، ثم صلى المغربَ.

قلت : الحديث عند البيهقي فى سننه الكبرى وإسناده ضعيف فهو مما انفرد به ابن لهيعة وبمثله لا يَحْتَجُّ أهل العلم ، وبعضهم يستشهد به فى المتابعات وقد ضعف الحديث الشيخ الألباني رحمه الله فى الإرواء261.

6- حديث أبي عبيدة قال: قال عبد الله: إن المشركين شَغَلُوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق، فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء. رواه النسائي وأحمد والترمذي.

قلت : أَعلَّه الحفاظ بالإنقطاع بين أبي عبيدة وبين أبيه عبدالله بن مسعود رضى الله عنه و المحفوظ حديث جابرِ بنِ عبد الله رضى الله عنهما –الحديث الثاني-.

والذي أراه ان أهل العلم الذين قِيلَ أنهم يقولون بإتصال السند –السماع- ليس ذلك بصحيح ، بل هم فقط يقولون بقبولها واستقامتها ، مع إقرارهم بإنقطاعها سنداً.

لذا تجد مثلا الترمذي عليه رحمة الله يقول فى نهاية أحاديثه "وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه" وهو مع هذا يُحسن حديث ابو عبيدة عن أبيه، فعلى إخواني طلبة العلم مراعاة معرفة منهج العلماء بخاصة المتقدمين منهم فى التعامل مع مصطلحاتهم.

وممن قال بالإنقطاع من المعاصرين الشيخ الألباني رحمه الله و الشيخ عبد المحسن العبَّاد حفظه الله.

وهنا نكتة وهي هل يُتهم أبوعبيدة بالتدليس لعدم سماعة من أبيه رضى الله عنه ؟

فالإجابة : لا لأنه إنما أخذ كل أحاديثة من الثقات من أصحاب ابن مسعود رضى الله عنه والله أعلم، لذا وكما ذكرت آنفاً فإن بعض الحفاظ من أجل ذلك السبب يقبلون أحاديثه عن أبيه رضى الله عنه.

من آثار الصحابة و التابعين:

1-             ما رواه مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: من نَسِيَ صَلاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلا وهو مع الإِمَامِ ، فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ فَلْيُصَلِّ الصَّلاةَ التي نَسِيَ ثُمَّ لِيُصَلِّ بَعْدَهَا الأُخْرَى.

قلت : رُوي مرفوعا ولا يصح ، والصحيح وقفه كما ذكر ذلك أَبُو زُرْعَةَ قال : هَذَا خَطَأٌ أي الرفع (العلل لابن أبي حاتم) رقم الحديث: 278

2-              حدثنا عبد الله ، قال : حدثنا عبد الحميد ، قال : حدثنا الخضر ، قال : حدثنا أبو بكر الأثرم ، قال : حدثنا الحكم بن موسى ، قال : حدثنا هقل ، قال : حدثنا الأوزاعي ، قال : سمعت الزهري يقول في الذي ينسى الظهر فلا يذكرها حتى يدخل في العصر مع الإمام ، قال : يمضي في صلاة الإمام ، فإذا انصرف استقبل الظهر ثم صلى العصر.

قال أبو عمر بن عبدالبر رحمه الله :

هذا ابن شهاب – الزهري - يفتي بقول ابن عمر –رضى الله عنه- ، وهو الذي يروي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم :" من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"، فإن الله يقول: (وأقم الصلاة لذكري ) طه: 14.وقد رأى تماديه مع الإمام ، ثم رأى إعادتها لا أدري إن كان استحبابا أو إيجابا ، وقد يحتمل هذا الحديث إيجاب الترتيب.

ويحتمل أن يكون معناه الإعلام بأنها غير ساقطة بالنوم والنسيان. وقد أجمعوا على أن الترتيب فيما كَثُرَ غير واجب. فدل ذلك على أنه مستحب في القليل والله أعلم. التمهيد 169/3 دار إحياء التراث العربي/الطبعة الأولى/عبدالرزاق المهدي.

المصنف لعبد الرزاق (2257-5/6-2)
عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن كثير بن أفلح قال: إنتهيت إلى المدينة وهم يُصلُّون العصر، ولم أكن صليت الظهر قال: فصليت معهم وأنا أحسب أنها الظهر قال: فلما فرغت علمت أنها العصر، قال: فصليت الظهر ثم صليت العصر ، قال : ثم سألت بالمدينة، فكلُّهم أَمرني بالذي فعلت.

قال ابن سيرين:  وأَصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ بها.

وبعدُ، أرجوا أن أكون مُحِقا فيما يلى:-

1-             إن كنت تعلم أنك ستسير مسيرة أطول فى الوقت مما بين صلاتي الظهر و العصر و صلاتي المغرب و العشاء، فجدد نية الجمع بين كل صلاتين متشابهتين فى وقت أحدهما، سواءً كان تقديما أو تأخيراً لعمومِ حديث عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما «جَمَعَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم في المدينةِ بين الظُّهرِ والعصرِ، وبين المغربِ والعشاءِ مِن غير خوفٍ ولا مطرٍ، قالوا: ماذا أرادَ بذلك؟ قال: أرادَ أن لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ» والحديث متفق على صحته مع خلاف فى اللفظ، ولا شك عندي ويراه كل عاقل أن زحمة السير -فى مصر-من الأعذار المبيحة للجمع إن شاء الله تعالى.

2-              من فاته فرض من الفرائض؛ كالمغرب مثلا، ودخل وقت العشاء فإن كان فى الوقت متسع فالواجب عليه أن يصلي المغرب أولا، ثم العشاء؛ لأن الترتيب بين الفائتة أو الفوائت اليسيرة مع الصلاة الحاضرة واجب؛ ما لم يؤدى إلى تأخير الحاضرة عن وقتها.

أمَّا من دخل عليه وقت الصلاة ووجد جماعة الحاضرة قد أُقيمت فقد سقط عنه الترتيب جمعاً بين الأدلة ، وما عليه إلاَّ قضاء الفائتة بعد أن يصلى الحاضرة مع جماعة المسلمين وإمامهم ولا إعادة عليه لما صلى و الله أعلم.

3-             سئل شيخ الإسلام‏ بن تيمية رحمه الله (65,66/22):

عن رجل صلى ركعتين من فرض الظهر فسلم، ثم لم يذكرها إلا وهو في فرض العصر في ركعتين منها في التحيات‏.‏ فماذا يصنع‏؟‏
فأجاب‏:‏
إن كان مأمومـًا، فإنه يتم العصر، ثم يقضى الظهر‏.‏ وفى إعادة العصر قولان للعلماء، فإن هذه المسألة مبنية على أن صلاة الظهر بَطُلَتْ بطول الفصل، والشروع في غيرها، فيكون بمنزلة من فاتته الظهر، ومن فاتته الظهر وحضرت جماعة العصر، فإنه يصلي العصر، ثم يصلي الظهر، ثم هل يعيد العصر‏؟‏ فيه قولان للصحابة والعلماء‏.‏
أحدهما‏:‏ يُعيدُها، وهو مذهب أبى حنيفة، ومالك، والمشهور في مذهب أحمد‏.‏
والثاني‏:‏ لا يُعيد، وهو قول ابن عباس، ومذهب الشافعي، واختيار جدي‏- مجد الدين أبي البركات عبد السلام -.‏ ومتى ذكر الفائتة في أثناء الصلاة كان كما لو ذكر قبل الشروع فيها، ولو لم يذكر الفائتة حتى فرغت الحاضرة، فإن الحاضرة تجزئة عند جمهور العلماء‏.‏

كأبي حنيفة والشافعي وأحمد‏.‏

وأما مالك، فغالب ظني أن مذهبه أنها لا تصح‏.‏ والله أعلم‏.‏

أما لو أدرك مَن فاتَتْهُ صلاة العصر جماعةَ المغرب:

فإنه يصلي معهمُ المغرب أولًا، ثم يصلي العصر بعدَهُ.

وسُئِلَ شيخُ الإسلام رحمه الله عن رجل فاتَتْهُ صلاة العصر، فجاء إلى المسجد، فوجد المغرب قد أقيمت، فهل يصلي الفائتة قبل المغرب أو لا؟
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، بل يصلي المغرب مع الإمام ثم يصلي العصر بإتفاق الأئمة، ولكن هل يعيد المغرب؟ فيه قولان.

أحدهما: يعيد وهو قول ابن عمر ومالك وأبي حنيفة، وأحمد في المشهور عنه.

والثاني: لا يعيد المغرب وهو قول ابن عباس وقول الشافعي والقول الآخر في مذهب أحمد.

والثاني أصح فإن الله لم يوجب على العبد أن يصلي الصلاة مرتين إذا اتقى الله ما استطاع والله أعلم".

4-              يسقط وجوب الترتيب بالنسيان و الخطأ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ".

5-             يسقط وجوب الترتيب بصلاة المكتوبة مرة ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "لا تُصلوا صلاةً في يومٍ مرتينِ" كما وضحنا ذلك عند ذكر الحديث.

6-             قال ابن رجب الحنبليُّ في "فتح الباري": "مَن كان عليه صلاةٌ فائتةٌ، وقد ضاق وقت الصلاة الحاضرة عن فِعْل الصلاتينِ، فأكثرُ العلماء على أنه يبدأ بالحاضرة فيما بقي من وقتها، ثم يقضي الفائتة بعدها؛ لِئَلا تصير الصلاتان فائتتَيْنِ، وهو قول الحَسَنِ وابن المُسَيّبِ وربيعة والثَّورِيِّ والأَوْزَاعِيِّ وأبي حنيفةَ، وأحمد في ظاهر مَذْهبه، وإسحاقَ وطائفةٍ من أصحاب مالك، وهؤلاء أوجبوا الترتيب، ثم أَسْقَطوه خشيةَ فوات الحاضرة، وكذلك قال الشافعيُّ؛ فإنه لا يوجِب الترتيب، إنما يَستحِبُّه؛ فأسقط هاهنا استحبابه وجوازه، وقال: يَلزَمه أن يبدأ بالحاضرة، ويأثم بتَرْكِهِ.
وقالت طائفة: بل يَبدأ بالفائتة، ولا يَسقط الترتيب بذلك، وهو قول عطاء والنَّخَعِيِّ والزُّهْرِيِّ ومالك واللَّيْثِ والحسن بن حَيٍّ، وهو رواية عن أحمدَ، اختارها الخَلاَّلُ وصاحبه أبو بكر".

7-             تأخير الصلاة عن وقتها من غير نَوْم ولا نِسْيان أو عذر شرعي من أعظم الكبائر؛ وذلك لأن فِعْل الصلاة في وقتها فَرْضٌ من أَوْكد فرائض الصلاة، وقد جاء النهيُ الشرعيُّ عن تأخير الصلاة عن وقتها وبالأخصِّ صلاةُ العصر ، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "مَن فَاتَتْهُ صلاة العصر، فكأنما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ" وفيهما أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: "مَن فاتَتْهُ صلاة العصر فقد حَبِطَ عملُهُ".

قال شيخ الإسلام: " تَفْوِيتُ العصر أعظم من تفويت غيرها؛ فإنها الصلاة الوُسْطَى المخصوصة بالأمر بالمحافظة عليها، وهي التي فُرضت على من كان قَبْلَنا فضَيَّعُوها".

8-             ذهب جماعة من العلماء الى أنه من شَرَعَ في صلاة فرض ثم تذكر أنه لم يصل التي قبلها أَتَمَّ ما دخل فيه ثم قضى الفائتة وأعاد المكتوبة مرة أخرى، فمن فاتته صلاة العصر مثلاً فدخل المسجد فوجد المغرب قد أقيمت صلى المغرب مع الإمام ثم يصلي العصر ثم يُعيد المغرب، وكذلك الحال على غير الناسي لو دخل المسجد وهو يعلم أنه لم يصلى العصر .

واحتَجُّوا بأثر ابن عمر رضي الله عنه الموقوف: "من نسي صلاة فلم يَذكُرها إلا وهو مع الإمام فإذا فَرِغَ من صلاته فليُعد الصلاة التي نسي ثم ليُعد الصلاة التي صلاها مع الإمام".

وهذا الأثر مع صحته موقوفا كما ذكرنا (من آثار الصحابة و التابعين) إلاَّ أنه مُعارض لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تُصلوا صلاةً في يومٍ مرتينِ" والذي هو من رواية الصحابي الجليل عبدالله بن عمر أيضاً، ففي الحديث انه لا تُصَلَّى الصلاة المكتوبة فى اليوم الواحد مرتين فرضاً ، نعم قد وقع مثل هذا فى السُّنَّة ولكن كانت إحدي الصلاتين نافلة، أما مفهوم منطوق "فليُعد الصلاة التي نسي ثم ليُعد الصلاة التي صلاها مع الإمام" فهنا إما أننا نقول:

أولا: بفساد الأولى –مع الإمام-لأن الترتيب شرط صحة للصلاة وعليه فيجب إعادتها فرضاً.

وهنا لا فرق نصاً من السُّنَّة بين من نسي فرضا ثم تذكره فى نفس اليوم ، أو من نسي فرضاً وتذكره بعد يومين مثلا، فالحكم سيكون حينها بفرض إعادة كل الصلوات إبتداءاً من أول صلاة نسيها.

وأنا لا أعلم أحداً قال بذلك من أهل العلم.

ثانيا: أو أن تكون فتوى أبن عمر رضى الله عنهما تورعاً, لا باب الفرض و الوجوب والصلاة –أول مرة-صحيحة تَبْرَأُ بها الذِّمَّة أمام الله سبحانه-فلا تعاد- ، و الله أعلم.

وأما مسألة الترتيب فكما ذكرت من قبل ، إن لم تكن واجبة مع القدرة ، لقلنا أنه من نسي صلاة فى يومٍ ثم أنه تذكرها فى اليوم الذي يليه أو بعده، لوجب عليه إعادة كل تلك الصلوات على الترتيب بدءاً من تلك الصلاة الفائتة ، ولم يقل بهذا أحد من العلماء على ما أعلم، لذا قلنا أن الترتيب واجب ولكنه ليس شرطاً فى صحة الصلاة إلاَّ مع القُدرة، وهذا ما مال إليه شيخ الإسلام ابن تيمة والمربي الفقيه ابن مفلح ومن المعاصرين الشيخ الألباني رحمهم الله تعالى.

ولإتمام الفائدة فإن شروط الصلاة:

1- الإسلام.

2- العقل.

3- التَّمييز.

4- العلم بدخول وقت الصلاة، فالصَّلاة لا تصحُّ قبل الوقت بإجماع المسلمين، فإن صلَّى قبل الوقت متعمِّداً فصلاته باطلة ويأثم بهذا ، وإن كان غير مُتَعمِّد لظنِّه أنَّ الوقت قد دخل، فليس بآثم، وصلاته نَفْلٌ، وعليه الإعادة.

5- الطَّهارة من الحدثين الأصغر والأكبر.

6- طهارة البدن والثوب ومحل الصلاة من النَّجاسات.

7- إتخاذ الزينة بثياب ساترة للعورة.

8- إستقبال القِبْلة.

9- النِّيَّة وهي العزم الآكد على فعل العبادة تقرُّباً إلى الله سبحانه وتعالى.

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسلِّمْ عَلَى نَبِينَا محمدٍ وَعَلَى الآلِ وَالصَّحْبِ الأَطْهار الطَّيِّبِيْن

المتابعون