بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 25 فبراير 2018

سائل يسأل عن مشكلة قابلته في زواجه من فتاة برازيلية كانت نصرانية واسلمت

سائل يسأل عن مشكلة قابلته في زواجه من فتاة برازيلية كانت نصرانية واسلمت.
السؤال:
تعرفت على امرأة كانت على النصرانية من البرازيل، ثم وفقني الله لتعريفها بالإسلام وتعاليمه وأَسْلَمَتْ بفضل الله منذ عام، وعرضت عليها الزواج فقبلت بذلك هي وعائلتها التي مازالت الى الأن على نصرانيتها " بل لم أجد أي معارضة من قبل والداها وأخواتها " ولكن المشكلة حين توجهت الى المسجد الوحيد في بلدتها في البرازيل لم يوافق إمام المسجد على إتمام إجراءات الزواج، وذلك لعدم وجود ولي مسلم للفتاة وعدم وجود شاهدين مسلمين لإتمام العقد الشرعي.
بل إن إمام المسجد المذكور يقف عقبة أمام ذلك الزواج لوجهة نظره أن كثيراً من الفتيات يرتَدِدْنَ عن الإسلام بعد فترة ويأتين بأفعال غير لائقة، وهذا الكلام غير مقنع لي بل وأجده ظلماً لها ولمثيلاتها ممن أسلمن من الفتيات.
أفيدوني ما العمل، وهل يمكن لزميل لي في البرازيل أن يكون ولياً لتلك الفتاة، وكيف أتصرف في الشاهدين.
_____________________________
الإجابة:
بسم الله و الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
 أما بعد
فالذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين من بعدهم،  واتفق العلماء سلفاً وخلفاً عليه، هو إشتراط وجود الولي، ولم يَشُذَّ عن هذا إلاَّ الإمام أبو حنيفة رحمه الله وخالفه صاحبه أبو يوسف في ذلك فقال لا نكاح إلا بولي.
ومن أدلة إشتراط وجود الولي واقعة عين الصحابي معقل بن يسار المزني - رضي الله عنه حيث قال: (زَوَّجْتُ أختي رجلا من المسلمين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت عنده ما كانت، ثم طلقها تطليقة، ولم يُراجعها حتى انقضت العدة (فهويها وهويته) فجاء يخطبها، فقلت له: زوجتك، وفرشتك، وأكرمتك، فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبدا (وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه) فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية:"وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" فلما سمعتها قلت: سمعاً لربي وطاعة، ثم دعوته فقلت: أُزوجك وأُكرمك، وكفَّرت عن يميني ) ([1]).
فالواقعة هنا كلها موضع شاهد تدليلي على مسألتنا، قال الحافظ في الفتح: وهي أصرح دليل على إعتبار الولي، وإلا لما كان لعضله معنى، ولأنها لو كان لها أن تُزَوِّجَ نَفْسِها لم تَحْتَجْ إلى أخيها، ومن كان أمره إليه لا يُقال إن غيره منعه منه.
ومن الأدلة ما جاء عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل، فإن تشاجروا، فالسلطان  وَلِيُّ من لا وَلِيَّ  له"([2]).
أردت بتوطئتي هذه إثبات موقف السلف من تلك المسألة وحتى لا يقال بمخالفتي لصريح ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل المسلمين.
ولكن مسألة السائل هنا تختلف من جهة الظروف والمُلابسات، ولا تحتمل تَزَمُّتْ بعض أئمة المساجد وجمودهم على فهم نص لا يمكن تطبيقه عملياً في ظل مجتمع خلا من المسلمين.
لذا فقد أفتي كثير من أهل العلم أمثال الشيخ ابن باز رحمه الله بجواز إتخاذ رؤساء المراكز الإسلامية في البلاد التي فيها أقليات مسلمة كأولياء لتلك الفتيات .
وكذلك يجوز أن يقوم إمام المسجد بدور الولي إن إنعدم وجود مركز إسلامي للجاليات المسلمة في تلك البلد أو أي مسلم عدل كزميلك المذكور في رسالتك إن توفرت فيه شروط العدالة.
وأما بخصوص الشاهدين، أنصح بواحدة من ثلاث:
الأولى:
أن تسعي لإتمام إجراءات الزواج في مدينة أخري غير تلك التي تقيم فيها الفتاة، فيها مركز إسلامي تجد فيه الولي و الشهود، وبعد ذلك تعلن وتشهر ذلك الزواج في مدينتها، وبلدك الأصلي المسلم حفاظا على حق الزوجة، وتوثق ذلك العقد مدنياً، وأرجوا بذلك خروجك من الخلاف كلياً.
فإن لم تستطع، فالثانية:
الثانية:
قال تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأْرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ) المائدة/106
قال ابن القيم رحمه الله :
قال شيخنا رحمه الله يعني ابن تيمية -  : "وقول الإمام أحمد في قبول شهادتهم في هذا الموضع:" هو ضرورة " يقتضي هذا التعليل قبولها في كل ضرورة حضراً وسفراً .
وعلى هذا، فشهادة بعضهم على بعضٍ مقبولة للضرورة.
فلو قيل : يحلفون في شهادة بعضهم على بعض ، كما يحلفون على شهاداتهم على المسلمين في وصية السفر ، لكان متوجهاً ، ولو قيل : تقبل شهادتهم مع أيمانهم في كلِّ شيءٍ عدم فيه المسلمون ، لكان له وجه ، وتكون بدلاً مطلقاً ([3]) ".
قلت: بين الله جلَّ وعلا إباحة إتخاذ الكافرين شهوداً عند الإضطرار الى ذلك وإنعدام وجود الأصل وهم المسلمون، ولأن هذا الأمر لا يقع غالباً إلاَّ في السفر خارج بلاد الإسلام فكان أن ضُرِبَ به المثل.
وشهادة الكافر تُقبل في بعض الحالات وأَقرَّها العلماء وأقرتها الأمة إقرار ضمني تقريري على سبيل الحاجة، وليس ذلك مني من باب تعديل الكافر أو رَدَّ إجماعٍ أو إيراد شبهة.
ولكن إن ذَهَبْتُ أُعَدِّدُ الشهادات المقبولة من أهل الكتاب وغيرهم من الكافرين في أمور تمس حياة الناس اليومية لما أحصيت ذلك عدداً، منها على سبيل المثال شهاداتهم في العلوم الحديثة كالطبية منها.
فإن لم تستطع، فالثالثة:
الثالثة :
أن تكتفي بإعلان الزواج وإشهاره بين الناس عندك في البرازيل وإشهاره في بلدك الأصلي المسلم حفاظا على حق الزوجة، والإعلان هذا يُغني عن الشهادة عند جَمْعٍ من أهل العلم سلفاً وخلفاً، والله أعلم.
مع العلم أن جمعاً من أهل العلم يُصححون النكاح إذا تم إعلانه وإشهاره بين الناس ، ولو لم يشهد عليه رجلان ، لأن الإعلان يغني عن الشهادة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"وهم يقولون مقصود الشهادة إثبات الفراش عند التجاحد، حِفْظاً لنسب الولد، فيقال هذا حاصلٌ بإعلان النكاح، ولا يحصُل بالإشهاد مع الكتمان مطلقا، فالذي لا ريب فيه أن النكاح مع الإعلان يصح وأن لم يشهد شاهدان، وأما مع الكتمان والإشهاد فهذا مما يُنظر فيه، وإذا اجتمع الإشهاد والإعلان فهذا الذي لا نزاع في صحته، وإن خلا عن الإشهاد والإعلان فهو باطلٌ عند العامة فإن قُدِّرَ فيه خلافٌ فهو قليل" . مجموع الفتاوى 32/83 دار الوفاء.
وأخيراً اسأل الله الهداية والسداد في القول و العمل لأمام المسجد المشار إليه في فتوى السائل، وأدعوه الى الصبر وعدم التعجل في إصدار الأحكام على إخواننا حديثي العهد بالإسلام وبخاصة منهن النساء، فقبل أن نآخذهم في تقصيرهم في الواجبات علينا أن نوفي ما لهم من الحقوق.
وصلِّ اللَّهم على عبدك محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.



([1]) حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التفسير،  والترمذي في سننه كتاب التفسير واللفظ له.
([2]) حديث صحيح خرجه الشيخ الألباني رحمه الله في الإرواء برقم 1840.
([3]) الطرق الحُكْمية في السياسة الشرعية للإمام ابن القيم الجوزية (509 ، 510)  تحقيق نايف بن احمد، إشراف" الشيخ الحبيب" بكر بن عبدالله ابوزيد رحمه الله، دار عالم الفوائد.

المتابعون