بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 2 يونيو 2015

تَحْرِيمُ رِبَا النَّسِيئَةِ وَرِبَا الْفَضْلِ جَمِيعًا

تَحْرِيمُ رِبَا النَّسِيئَةِ وَرِبَا الْفَضْلِ جَمِيعًا.
بسم الله و الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد.
فإن الناظر لحال المسلمين اليوم ، يرى ما آلوا إليه من حبٍ للدنيا وَالرُّكونِ  إليها ، إلاَّ من رَحِمَ ربي وَقَلِيلٌ مَا هُمْ.
والمال الذي إستخلفنا الله عليه ، اصبح الأن من أعظم الفتن التى يُبْتَلَى النَّاس بها ، حيث شَابتْ مُعاملاتهم كثيراً من الشبهات الشرعية و التي أحياناً , ولا أريد أن أُبالغ فأقول كثيراً ، يكون الأمر فيها بَيِّناً واضحاً وضوح الشمس فى رَابعةِ النهار.
وقد بَلَغَنِي أنَّ بعض الـمُفتيين هدانا الله و إياهم ، قال أنه لا رِباً إلاَّ ربا النسيئة ، و أَنْكَرَ هداه الله تحريم ربا الفَضْلِ .
والفرق بينهما يتضحُ بما يلي:
1-             النسيئ:
لُغة هو التأخير ، ومثاله أن يشتري أحد الناس من آخر ثلاجة بسعر 1000 جنيه على أن يُسدد المبلغ 1000 جنيه كما هو بعد سنة مثلاً ، فتأخير السداد هذا يسمى نسيئاً، وهذا البيع بهذا الشكل مباح لا شيئ فيه ، ويسمى بيع النسيئة.
وعند البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى طعاماً من يهودي إلى أجلٍ وَرَهَنَهُ درعاً له من حديد ، وفي لفظ : طعاماً بنسيئة.
وقد مات صلى الله عليه وسلم ودرعه ذاك مرهونٌ عند اليهودي.
و الرَّهْنُ هنا لضمانِ حَقِّ الـمُقْرِضِ ، وهو فى حقيقته ليس عِوَضَاً ولا زِيَادَةً ، فلننتبه لذلك.
و النسيئ يأتي بمعني الزيادة مقابل الْأَجَلِ، وهذا له حالتان شهيرتان :
أ‌-                 الأُولى لا جدال في حُرمتها ، وهي الزيادة فى الدَّيْنِ إذا انتهي وقت سداده ، ومثاله أن يُقرض أحد الناس لآخر قرضاً مُدةَ شهرٍ فإذا حضرَ وقت السداد تعثَّر الـمُقْتَرِضَ فى السداد فَيُمْهِلَهُ الـمُقْرِضُ شهراً آخر مقابل الزيادة فى المال وهذا حرامٌ لا اعرف فيه خلاف بين أهل العلم.
وقد أدخل بعض العلماء([1]) الكذَّابين ، الشُّبهات و الحيل على المسلمين فى هذا الباب.
ب‌-           الثانية أن يبيع أحد الناس لآخر سلعة ( يَمْلُكُهَا مَلْكٌ تامٌ ) بسعرين، سعر عاجل كذا، أو سعر آجل بزيادة كذا مقابل الوقت ، وهذه المسألة فيها خلافٌ بين العلماء، والذي أراه كراهة ذلك الأمر كراهة شديدة على البَائِعِ، وعدم جواز ذلك على المشتري إلاَّ لمضطرٍ([2]).
2-             رِبَا الْفَضْلِ :
وهو الزيادة على الشيئ من نفس جنسه ، ولو من دون تأخير ، ومثاله كما يوضح العلماء بيع درهم بدرهمين نقداً، أو بيع صاع قمح بصاعين من القمح، ونحو ذلك.
وقد جائت السنة الصحيحة بتحريم ربا الفضل فى ستة أشياء: الذهب و الفضة و البر و الشعير و التمر و الملح.
والراجح القياس على تلك الستة المذكورة ما شاركها فى نفس العلة ، ومثاله التعامل البنكي و الشخصي بالعملات النقدية على الذهب و الفضة، و الله أعلم.
وقد يقع بعض الناس فى ربا الفضل بسبب عدم تبين الحكمة من التحريم ، لذا نذكر أن طاعة الله ورسوله مرتبطة بصحة وثبوت الأمر أو النهي ، بالشروط التى أَقرَّها العلماء وبينوها فى موضعها ، سواءً فى ذلك، تَبَيَّنَ لنا الحكمة منها أو خفيت علينا.
قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : " اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هي يا رسول الله، قال: الشرك بالله، (والسحر)، وقتل النفس، التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ".
ومعلومٌ أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم نهى عن " ثمن الدم([3])، وثمن الكلب، وكسب البغي، ولعن آكل الربا، ومؤكله، والواشمة، والمستوشمة، ولعن المصور".
والذى أوقع إخوتي فى المملكة فى هذا الخطأ حديث أسامة بن زيد رضى الله عنهما عند الشيخين وغيرهما بلفظ : "إنما الربا في النسيئة " و زاد مسلم " لا رباً فيما كان يدًا بيد" و الحديث بخلاف ألفاظه مرويُّ من طريق ابن عباس عن أسامة بن زيد رضى الله عنهم، مرفوعٌ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا ابن عباس رضى الله عنه يرجع عن هذا القول:
فعن أبى الجوزاء ([4]) قال : " سألت ابن عباس عن الصرف يداً بيدٍ، فقال: لا بأس بذلك اثنين بواحد، أكثر من ذلك وأقل .
قال: ثم حججت مرة أخرى، والشيخ حى([5])، فأتيت، فسألته عن الصرف؟ فقال: وزناً بوزنٍ.
قال: فقلت: إنك قد أفتيتنى اثنين بواحد، فلم أزل أفتى به منذ أفتيتنى ؟
فقال: إن ذلك كان عن رأي ، وهذا أبو سعيد الخدرى يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتركت رأي([6]) إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "
والاثر صحح إسناده الإمام الألباني رحمه الله فى الإراء وقال : أخرجه أحمد (3/51) وابن ماجه (2258) باختصار، والبيهقى (5/282(.
فهذا ابن عباس رضى الله عنه قد رجع عن هذا القول الى السنة ، و حديث أسامة رضى الله عنه قد أولَّه العلماء وليس هذا محلٌ للتوسع والتفصيل.
فماذا بعد الحق إلاًّ الضلال ، يا سعدُ أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، و ، لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسأَلَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ.
جاء فى الموسوعة الفقهية لموقع الدرر السنية:
1- إذا كان البيع في جنس واحد ربوي حرم فيه التفاضل والنساء كأن يبيع أحد ذهباً بذهب، أو براً ببر ونحوهما، فيشترط لصحة هذا البيع التساوي في الكمية، والقبض في الحال؛ لاتفاق البدلين في الجنس والعلة.
2-  إذا كان البيع في جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، واختلفا في الجنس حرم النساء وجاز التفاضل كأن يبيع ذهباً بفضة، أو براً بشعير ونحوهما، فيجوز البيع مع التفاضل إذا كان القبض في الحال يداً بيد؛ لأنهما اختلفا في الجنس، واتحدا في العلة.
3-  إذا كان البيع بين جنسين ربويين لم يتفقا في العلة جاز الفضل والنساء كأن يبيع طعاماً بفضة، أو طعاماً بذهب ونحوهما، فيجوز التفاضل والتأجيل؟ لاختلاف البدلين في الجنس والعلة.
4-  إذا كان البيع بين جنسين ليسا ربويين جاز الفضل والنسيئة كأن يبيع بعيراً ببعيرين، أو ثوباً بثوبين ونحوهما فيجوز التفاضل والتأجيل.
o     لا يجوز بيع أحد نوعي جنس بالآخر إلا أن يكونا في مستوى واحد في الصفة، فلا يباع الرطب بالتمر؛ لأن الرطب ينقص إذا جف، فيحصل التفاضل المحرم.
o     لا يجوز بيع المصوغ من الذهب أو الفضة بجنسه متفاضلاً؛ لأجل الصنعة في أحد العوضين، لكن يبيع ما معه بالدراهم ثم يشتري المصوغ.
o      الفوائد التي تأخذها البنوك اليوم على القروض من الربا المحرم، والفوائد التي تدفعها البنوك مقابل الإيداع ربا لا يحل لأحد أن ينتفع به بل يتخلص منه.
o     يجب على المسلمين إذا احتاجوا الإيداع والتحويل بواسطة البنوك الإسلامية([7])، فإن لم توجد جاز للضرورة الإيداع في غيرها لكن بدون فائدة، والتحويل من غيرها ما لم يخالف الشرع.
o     يحرم على المسلمين العمل في أي بنك أو مؤسسة تأخذ أو تعطي الربا، والمال الذي يأخذه العامل فيه سحت يعاقب عليه.




([1] ) يجوز إطلاق ذلك اللفظ عليهم ، وقد وقع مثيل ذلك فى الكتاب و السنة.
([2] ) أُؤكّدُ على وقوع خلاف فى تلك المسألة بين أهل العلم.
([3] ) أي اجرة الحجامة.
([4] ) خدم ابن عباس رضى الله عنه بضع سنين.
([5] ) أي ابن عباس رضى الله عنهما.
([6] ) وفي قوله رضى الله عنه دليل على أن الأحكام الشرعية لا تطلب إلا من الكتاب أو صحيح السنة.
([7] ) والأمر ليس مجرد تسمية ، بل لابد من مراجعة أعماله من خلال هيئة شرعية معتبرة من علماء الشريعة، و الأمر يختلف من بلد لآخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

المتابعون