بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 8 ديسمبر 2013

الحَسنُ بن علىًّ رضى الله عنهما


بُويع الحَسنُ رضى الله عنه بالخلافة بعد مقتل أباه علىًّ رضي الله عنه ، واستمر خليفة على الحجاز واليمن والعراق وخراسان وغير ذلك نحواً من ستة أو ثمانية أشهر.

وكانت خلافته هذه المدة خلافة راشدة حقة لأن تلك المدة كانت مكملة لمدة الخلافة الراشدة التي أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن مدتها ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً كما جاء ذلك صحيحاً عن سفينة -أبو عبدالرحمن- مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أبي داود بلفظ :((خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك من يشاء أو ملكه من يشاء)).قال الألباني فى صحيح أبي داود : حسن صحيح.

وقد شاهد الوقائع مع أبيه رضي الله عنهما ، ورأى فتنة صفين ، و روي أن أباه كان يقول له : "يا حسن، يا حسن، ما ظنَّ أبوك أن الأمر يبلغ إلى هذا، ودَّ أبوك لو مات قبل هذا بعشرين سنة". منهاج السنة النبوية لابن تيمة رحمه الله 6/209.

ثمَّ لما استتب الأمر للحسن رضى الله عنه اراد أن يدخل بلاد الشام – وكانت حينئذ لمعاوية رضي الله عنه - فتوجه نحوها كما ورد ذلك صحيحا عند البخاري من رواية نفيع بن الحارث أبو بكر قال :"استَقبَلَ واللهِ الحسَنُ بنُ عليٍّ معاويةَ بكتَائِبَ أمثَالَ الجبالِ ، فقالَ عمرُو بنُ العاصِ : إنِّي لأَرَى كتَائِبَ لا تُولِّي حتَّى تَقْتُلَ أقْرَانَهَا ، فقالَ لهُ معاوِيَةُ - وكانَ واللهِ خيرَ الرجلينِ - أي عمرُو ، إنْ قتَلَ هؤلاءِ هؤلاءِ ، وهؤلاءِ هؤلاءِ ، مَن لِي بأمُورِ الناسِ ، مَن لِي بِنِسَائِهِم ، مَن لِي بِضَيْعَتِهِم ، فبَعَثَ إليهِ رجلينِ من قريشٍ ، من بنِي عبدِ شمسٍ ، عبدَ الرحمنِ بنَ سَمُرَةَ وعبدَ اللهِ بنَ عَامِرِ بنِ كُرَيْزٍ ، فقالَ : اذهبَا إلى هذا الرجلِ ، فاعْرِضَا عليهِ ، وقولَا لهُ ، واطلُبَا إليهِ . فأَتَيَاهُ فدخَلا عليهِ ، فتَكَلَّمَا وقالَا لهُ ، فطَلَبَا إليهِ ، فقالَ لهُمَا الحسنُ ابنُ عليٍّ : إنَّا بنُو عبدِ المطلبِ ، قدْ أَصَبنَا منْ هذا المالِ ، وإنَّ هذهِ الأمَّةَ قد عَاثَتْ في دِمَائِهَا . قالَا : فإنَّهُ يعْرِضُ عليكَ كذَا وكذَا ، ويطْلُبُ إليكَ ويسأَلُكَ ، قالَ : فمَنْ لي بهَذا ؟ قالَا : نحنُ لكَ بهِ ، فمَا سأَلَهُمَا شيئًا إلّا قالَا : نحنُ لكَ بِهِ ، فصَالَحَهُ . فقالَ الحسَنُ : ولقدْ سَمِعْتُ أبَا بَكْرَةَ يقولُ : رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ علَى المنْبَرِ ، والحَسَنُ بنُ عليٍّ إلى جنبِهِ ، وهوَ يُقْبِلُ علَى الناسِ مَرَّةً وعليهِ أخْرَى ، ويقولُ :(إنَّ ابنِي هذا سيدٌ ، ولعَلَ اللهَ أنْ يُصْلِحَ بهِ بينَ فِئَتَينِ عَظِيمَتَينِ من المسلمينَ)".

وقد ذكر ابن العربي رحمه الله بعض الأسباب التى هيأت الحسن رضى الله لقبول الصلح مع معاوية رضي الله عنه حيث قال ما مختصره:

1-إن الحسن رضى الله عنه رأى تشتت آراء من معه.

2-أنه طُعِنَ حين خرج إلى معاوية رضى الله عنهما فسقط عن فرسه وداوى جرحه حتى برأ فعلم أنه فى غير مأمن هو و من معه من المؤمنين من بعض المنافقين الذين يدعون أنهم من شيعته .

3-رأى رضى الله عنه أن الخوارج أحاطوا بأطرافه، وعلم أنه إن اشتغل بحرب معاوية رضى الله عنهما استولى الخوارج على البلاد، وإن اشتغل بالخوارج استولى عليه معاوية رضى الله .

4-تذكر رضى الله عنه و أرضاه وَعْدَ جَدِّه صلى الله عليه و آله وسلم حين بشَّرَ من حوله قائلا: (( إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )) .

وقد تنازل الحسن لمعاوية رضى الله عنهما بالخلافة ثم رحل هو ومعه أخوه الحسين وبقية إخوتهم، وابن عمهم عبد الله بن جعفر من أرض العراق إلى أرض المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.

امّا شروط الصلح بين الطرفين فكانت كما جائت بها السنن الصحيحة :

1- العمل بكتاب الله وسنة نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم وسيرة الخلفاء الراشدين.

2- ترك الأموال التي صُرفت سابقاً.

3- العفو عن الدماء التي أُريقت سابقاً .

4- وفى بعض الآثار ، أن يكون الأمر شورى بعد ذلك.

و اما ما يُروى من انها تكون بعد ذلك للحسن رضي الله عنه فضعيف من أوجه:
أ ـ ورد عن الحسن رضي الله عنه عندما قالوا له ذلك قال ، ما أنا بالراغب في ذلك ولو أردت هذا الأمر لم أسلمه. الفتوح (3، 4/ 293)، الصواعق المرسلة(2/ 299).

ب ـ لو كانت ولاية العهد للحسن رضي الله عنه ، لتولى منصباً قريباً من معاوية رضي الله عنه ليكون مُطَّلِعاً على أمور الحكم ، لا أن يعتزل شؤون الحكم تماماً كما فعل رضي الله عنه.

ج ـ عندما تمت بيعة يزيد رحمه الله ، لم يَرِدُ أن أحداً إعترض وذكر هذا الشرط حتى الحسين نفسه رضي الله عنه ، الذي رفض أن يُبايع يزيد رحمه الله لم يذكر هذا الشرط، فأهل مكة أدرى بشعابها ، فهل نحن أدرى بشروط الصلح منهم وقد مات الحسن رضى الله عنه بعد ما مضى من خلافة معاوية رضى الله عنه عشر سنين ، فلو أنه قد صح ذلك الشرط لتواتر الخبر به والله أعلم.

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

المتابعون