بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 16 أكتوبر 2014

الطَّلَاقَ الصُّوُرِيُّ - َطَوَاعِيَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْفَعُ

قاعدة عامة توضح شمولية الدين ونفعه فى الدارين :
عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :"نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا فيه منفعة، وأمر الله لنا فيه أنفع"
الطَّلَاقَ الصُّوُرِيُّ
يقول الله تعالى "  فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " النحل43
و يقول النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم :( الدين النصيحة ، ثلاثا ، قلنا لمن يا رسول الله، قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه مسلم من حديث أبى رقية تميم بن أوس الداري رضى الله عنه .
وعند مسلم أيضا ، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( حق المؤمن على المؤمن ست ، فذكر منها وإذا استنصحك فانصح له).
وتلك النصيحة من واجبات الدين وكماله ، وما خسر المسلمون اليوم من خسارة أكبر و أفدح من ترك النصيحة ، فبسبب ذلك قلَّ العِلمُ ، وانتشر الشِّركُ ، وكَثُرت بين الناس فتاوى أدعياء العلم .
والنصيحة أَعم و أشمل من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، فإنها تشمل أَمري الدنيا و الآخرة معاً .
وهنا مسألتان لابد أن أُلفت نظر الناس إليهما ، يتشابهان فى الواقع مع تشابههما بغيرهم من المسائل ، ويجتمعان فى الحكم الشرعي.
وصورتهما ما اصطلح على تسميته بـ " الطلاق الصوري ".
وهو أن يُطَلَّقَ الرجل زوجه ، غالبا لغرض أو مصلحة دنيوية عارضة ، تختلف من شخص الى آخر ، ومن مجتمع الى مجتمع.
والثانية أن تسعى المرأة بنفسها وراء ذلك الطلاق ، لنفس تلك المصالح المذكورة .
وكل تلك الصور جميعها تتفق في خطأ واحد ، وهو عدم فهم الناس لحقيقة النكاح  و الطلاق .
فلابد إذا أن أوضح أولا ، أن الطلاق هو حَلٌّ لعُقدة النكاح من طرف الزوج ، فهو مفارقة الزوج لزوجه وفسخ ذلك العقد الذي سماه الله ميثاقاً غليظاَ .
ذلك العقد الذي إعتني به الشرع الحنيف ، لما يترتب عليه من مسائل و أحكام كبيرة ،  ترتبط بتكوين الاسرة ، التي هى نواة للمجتمع المسلم القويم .
لذا سماه الله كما ذكرت فى أكثر من فتوى، ميثاقاً غليظاَ ، قال الله تعالى :" وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً " النساء21 . أي ذلك العقد ، وفيه القيام بحقوق المرأة كاملة غير منقوصة كُلٌ بحسبه ، ولعلك لا تجد تلك الكلمة فى كتاب الله ، والله أعلم ، إلاَّ وهى مرتبطة بأعلا درجات المواثيق و الإرتباط ، كما فى قوله تعالى شأنه : " وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً " الأحزاب7.
وأنظر معى يا راعاك الله الى قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فى خطبة حجة الوداع قال: ( واستوصوا بالنساء خيراً ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله و استحللتم فروجهن بكلمة الله ) الحديث عند مسلم من رواية جابر بن عبدالله رضى الله عنه.
بل إن من عظم تلك الكلمة وذلك الميثاق نهيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن اللعب به قولا أو عملا فقال : ( ثلاثٌ جَدُّهُنَّ جد، وهزلهنَّ جد: النكاح، والطلاق، والرجعة )  رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، و الحديث حسن لغيره ، ونقل صاحب عون المعبود في شرح سنن أبي داود عن الخَطَّابي - رحمهم الله – قوله: اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان الإنسان العاقل البالغ فإنه يؤاخذ به، ولا ينفعه أن يقول ، كنت لاعباً أو هازلاً، أولم أنوه طلاقاً ، أو ما شابه ذلك من الأمور.
وقد فسر بعض العلماء الهزل فى الحديث : هو أن يراد بالشيئ غير ما وضع له بغير مناسبة بينهما.
والله عزَّ وجلَّ يقول : " وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً " البقرة231 .
فالحق أن آيات الله أعظم من أن تُمْتَهَنَ، لأية غاية مهما كانت ، والغاية عند المسلمين المستمسكين بدينهم أبداً لا تبرر الوسيلة ، إنما تلك حجة المفسدين فى الأرض.
فكما لا يصح الزواج الصوري من أجل مصلحة ما ، فلا يصح كذلك الطلاق الصوري لمصلحة ما.
ولا يقاس و الحالة كهذه ، هذا الفعل على فعل المُكْرَهَ ، فهنا الفعل بملء الإرادة و الأختيار.
ولو ذهبنا الى القول ، أن هذا الرجل سيفعل هذا الأمر – الطلاق – أمام الجهات الرسمية ثم يراجعها لعصمته ( لو كانت تلك الطلقة – رجعية - هى الأولى أو الثانية) ، لقلنا إن فى هذا الأمر ضرر بالغ على الزوج و الزوجة والمجتع بأكمله ، فهو لن يستطيع رسمياً أن ينسب ولده منها إن رزق بولد ، وهي لن تستطيع أن ترث فيه إن توفاه الله ، و المجتمع إذا ما إِعْتَدَّ بمثل تلك الفتاوى وسارات فيه سُنَّة و عُمِلَ بها، سيقع فيه فساد عظيم ، فالجميع إلا من رحم ربي لا يرضى بحاله ولا يقنع لا بالكثير ولا بالقليل .
أضف الى هذا أنهم فى نظر الدولة و القانون منفصلين شرعاً.
فلو أرادت المرأة أن تتزوج من رجل غيره (زوج ثان)، لفعلت ذلك رسمياً، ولقلنا أن الزوج الأول صاحب العقد الصحيح، يحمل جزءاً كبيراً من الوزر، وما على الزوج الثاني صاحب العقد الفاسد من سبيل ما دام جاهلاً .
ولا يصح  و الحالة كهذه ( مع عموم تلك البلوى ) أننا نقول بتخصيص تلك الفتوى ( رخصة الطلاق الصوري ) لبعضٍ دون بعض ، فهنا المُفتِى يَشُذُّ بفتواه عن الرأى السائد وشبه المجمع عليه ، وإن كنا لا نستطيع أن نَذُمُّه لأن له مستند فى تلك الفتوى ، إلاَّ أنه يُذَمُّ لعدم نظره تلك النظرة الإعتبارية التى رأها جمهور الفقهاء ومخالفته لهم فيها.
وهنا أرى أنه قد لزم على تذكرة الناس بمثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخاري ومسلم من حديث أبي حمزة أنس بن مالك رضى الله عنه .
وأنا والله لا أرضاه لأُمي ولا لأختي ولا لإبنتى ، فهل الذي أفتى بمثل هذا يرضاه على من ولاه الله عليهنَّ .
لذا وغيره أقول بعدم جواز مثل هذا التحايل ، وفساد ذلك العمل ، وأن النية الصالحة أبداً لا تُبيحه و لا تُصلحه .
وأن الطلقة إذا وقعت أمام المحاكم الرسمية للدولة ، سواءً نَوَى صاحِبُها طلاقاً أو لم يَنْوه ، حُسبت عليه طلقة و اعْتُدَّ بها ، فإن كانت طلقة رجعية – أُولى أو ثانية " الطلاق مرتان "- فعليه ان يراجعها رسمياً كما طلقها ، ولا يكتفى بكتابة ورقة - ولو أشهد عليها – ضماناً للحقوق الخاصة و تسيراً للحقوق العامة للمجتمع .
وإن إكتفى بكتابة ورقة ،فعليه أن يُشهد عليها إثنان ذوي عدل .
وإن كانت تلك الطلقة الثالثة – البائنة – فقد بانت منه ، ولا يصح أن يراجعها حتى تنكح زوجا غيره ، نكاحا صحيحاً كما بينت السُّنَّة.
وهنا مسألة ، هل يقال بعذر فاعل هذا الأمر – العذر بالجهل – خاصة وأنه قد إستفتى به بعض طلبة العلم قبل العمل به.
أقول نعم لو أنه جاهلٌ فعلا بالحكم الشرعي ، وعدم فهم مقاصد الشريعة.
فالعذر بالجهل هنا فيه تفصيل ، بحسب كل حالة ، وعلى المستفتى أن ينظر بعين الإعتبار فى كل مسألة على هذه الشاكلة ، ولكل شخص على حدة، والله أعلم.
و أخيراً ، يقول الله عزَّ وجلَّ :"  وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ " الطلاق 2 - 3
ويقول سبحانه : " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً " الطلاق 4
ويقول: " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً " الطلاق 5
ويقول: " لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً " الطلاق 7
وعنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: ( ومن سن في الإسلام سنة سيئة ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده . من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) الحديث عند مسلم رحمه الله من رواية جرير بن عبدالله رضى الله عنه .
وعن أسيد بن ظهير عن رافع بن خديج رضى الله عنه قال:( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاكم عن أمر كان لكم نافعا، وطاعة الله وطاعة رسوله أنفع لكم ) صححه الشيخ الألباني رحمه الله فى الإرواء فقال : وإسناده صحيح، وأسيد بن ظهير صحابيُّ جليل.
قلت: هو أسيد بن ظهير بن رافع بن عدي صحابي ورافع بن خديح رضى الله عنهما عمه.
وليعلم أن التحايل على القانون الذي وضعه الحاكم ليُقَوَّمَ به عوج المجتمع، مخالفة صريحة لصريح الكتاب و صحيح السنة.
والخلاصة أن الطلاق الموثق فى المحكمة أو الجهات الرسمية باللفظ الصريح ، او بالكتابة دون اللفظ ، يُوقعه أهل العلم ولو لم ينويه صاحبه طلاقاً ، إلاًّ أن يكون مُكرهاً على فعل ذلك ، والله أعلم .
قال ابن القيم –رحمه الله- فى إعلام الموقعين "4/257" : حقيق بالمفتي أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم). وكان شيخنا- يعني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- كثير الدعاء بذلك ).
قلت : وكان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يستفتح به صلاته إذا قام من الليل والحديث عند مسلم من رواية عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها.
سبحانك الله وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك

وصلِّ اللهم وسلم على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

المتابعون