بحث هذه المدونة الإلكترونية

أرشيف نهل الخيرات

الثلاثاء، 12 يوليو 2011

حكم قراءة الفاتحة للمسبوق


سؤال ورد إلى من بعض الإخوة فى المملكة العربية السعودية حفظها الله وسائر بلاد المسلمين، بعد أن وقع بينهم خلاف فى تلك المسألة ، نتيجة لتشدد بعضا منهم بفتوى لأحد الدعاة المصريين.
بسم الله و الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه و بعد؛
سؤال : ما حكم قراءة الفاتحة للمسبوق ؟
قلت : للإجابة عن هذا السؤال توضيح و تفصيل :-
أولاً:
       المسبوق هو من جاء بعد تكبيرة الإنتقال من القيام الى الركوع ، أو قبلها بزمن قليل لايسع قدر قراءته لفاتحة الكتاب العزيز.
ثانياً:
       يجب أن يُفرق فى حكم قراءة الفاتحة ، بين الإمام و المأموم المدرك للركعة ، وبين المأموم المسبوق صاحب الحالة أو المسألة وكذا يُعلم الفرق بين الحكم العام و الخاص.
ثالثاً:
       يجب فهم الدليل وجمع طرقة قبل الاستدلال به فى أي مسألة.
رابعاً:
       التواضع عند التنازع و الرحمة وسعة الصدر ، حتى نستطيع إبتداءً تحديد محل الخلاف و التنازع ، ولكي لا يوقعنا الإختلاف اللفظي إلى الإفتراق القلبي.
خامساً:
       و أعتذر لتأخره.
       دليل إستثناء قراءة الفاتحة فى كل ركعة مع ركنيتها أو قُل وجوبها ، التفريق كما ذكرتُ آنفاً بين النص العام و الخاص و المطلق و المقيد ، و العام معلوم لديكم ، أما الخاص المقيد فهو حديث أبوبكرة الثقفي رضى الله عنه الثابت الصحيح عند البخاري رحمه الله من أنه رضى الله عنه أدرك النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم راكعاً فركع دون الصف ، ثم مشى الى الصف ، فلمَّا قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال : " أيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى الى الصف" . فقال أبوبكرة : أنا ، فقال النبيُّ : " زادك الله حرصاً ولا تَعُدْ ". والحديث كما تعلم عند البخاري وأحمد وفى سنن أبي داود و النسائي.
يقول الشيخ العثيمين رحمه الله فى شرحه على زاد المستقنع "ولم يأمره بقضاء الركعة التى أدرك ركوعها ، دون قراءتها ، ولو كان لم يدركها لكانت قد فاتته ، ولأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضائها ، كما أمر المسيئُ فى صلاته أن يُعيدها ، فلما لم يأمره بقضائها عُلِمَ أنه قد أدرك الركعة ، وسقطت عنه قراءة الفاتحة ، فهذا دليلٌ من النص"  إنتهى كلامه رحمه الله من باب صفة الصلاة.
سادساً:
       أزيدُكَ فائدة من تعليقات الشيخ العلامة حبيب القلب ، الألباني رحمه الله تعالى ، على كتاب فقه السُّنة المسمى بـ"تمام المنَّة" صـ285 قال تحت رقم 4 ".............لحديث عطاء بن أبي يسار أنه سمع عبدالله بن الزبير على المنبر يقول للناس : إذا دخل أحدكم المسجد و الناس ركوع فليركع حين يدخل ثُمَّ ليَدُبَّ راكعاً حتى يدخل فى الصف فإنَّ ذلك السُّنَّة .
قال عطاء : وقد رأيته هو يفعل ذلك . أخرجه ابن خزيمة (1571) و الطبراني و الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وهو كما قالا على ما بينته فى "الصحيحة" (229) وجرى عليه السلف كأبي بكرٍ وزيد بن ثابت وابن مسعود"رضى الله عنهم" وقد خرجت آثارهم فى ذلك هناك. أهـ
قلت "حسن":
       ومن هذه الفائدة يُعلم خطأ حمل رواية "ولاتَعُدْ " أي الى ذلك الأمر ثانية ، أي أن العمل عليه مازال مستمراً الى قيام الساعة ، وليست كما قال البعض حالة لا يمكن القياس عليها أو غير ما قيل.
ولكن النهى متوجهاً إلى عدم الإتيان إلى الصلاة بمثل هذه الحالة من الإسراع وتدافع النفس، وهذا هو الراجح لا سيما أنه صح من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم " إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون عليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ". أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
سابعاً:
       أزيدُكَ فائدة أخرى
       وهي بعد إختها التى سبقتها من تمام المنَّة بقليل ، قال الألباني رحمه الله تعالى "............فقال أبو داود فى "مسائله" صـ35 :"سمعت أحمد سُئِلَ عن الرجل ركع دون الصف ثم مشى حتى دخل الصف وقد رفع الإمام قبل أن ينتهى الى الصف . قال : تجزئه ركعة وأن صلى خلف الصف وحدة أعاد الصلاة ".
قلت"حسن":
       فهل الامام أحمد رحمه الله عليه لايقول بوجوب قراءة الفاتحة.
بل يقول بذلك ، ولكنه يا أخي حُسنُ فهمٍ ، علم واسع كبير من الإستقراء و التتبع لجمع وفهم الكتاب و السُّنَّة دراية ورواية، ومنه وبه يطمئن القلب عند الفُتيا ، ومن أمثلةِ ذلك الإطمئنان ، التفريق مثلا فى بعض الاحكام بين نفي الكمال ونفي الصحة " فأَنْظُر".
ثامناً:
       أحد الدعاة يذكر أثر أبى هريرة رضى الله عنه ، المرفوع " إذا جئتم الى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ، ولا تعدوها شيئاً ، ومن أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة " رواه أبو داود.
أخى الداعية ، فعل هذا دون أن يذكر اللفظ الآخر للأثر " وفى لفظ له من أدرك الركوع أدرك الركعة " . راجع الإرواء الجزء الثاني.
وكتاب الإرواء من أحسن كتب الشيخ الألباني رحمه الله ، يتبين منه كذب من قال عن الشيخ أنه صاحب رواية ، يقصد بذلك غمز الشيخ رحمه الله من أنه لا علم له بالدراية – يعنى الفقه-.
تاسعاً:
       يقول الله تعالى " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " النحل آية 44  قال ابن كثير: ثم قال تعالى" وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ " يعني القرآن " لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ " أي مِن ربهم ، لعلمك بمعنى ما أنزل الله وحرصك عليه واتباعك له، ولعلمنا بأنك أفضل الخلائق وسيد ولد آدم. فتفصّل لهم ما أجمل، وتبين لهم ما أشكل. اهـ
قلت "حسن": لا يجوز فى حق النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، كما هو معلوم ، تأخير البيان عن وقت الحاجة ، بأبي هو و أمي رسول الله ، وهذا إجماع معلوم ممن يُعتد به من علماء المسلمين.
عاشراً:
       لو ذهبتُ أُعدد لك ، كم من السلف و الخلف على هذا الامر ربما ما استطعت ذلك ، إلا بعمل بحث لإستيفاء هذا الامر ولكن هاك ماعندي على تقصير شديد:-
فمن المتقدمين غير ما ذكرت لك آنفاً.
-        حافظ المغرب أبو عمر بن عبد البر رحمه الله ، حيث ذكر فى كتابه الماتع الإستذكار شرح الموطإ :
قال جمهور العلماء من أدرك الإمام راكعاً فكبر وركع وأمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة ( قلت "حسن" أي يطمئن راكعاً ) ومن لم يدرك ذلك فقد فاتته الركعة ، ومن فاتته الركعة فقد فاتته السجدة فلا يُعتد بها ، هذا مذهب مالك و الشافعي وأبي حنيفة و أصحابهم و الثوري و الأوزاعي و أبي ثور و أحمد و إسحاق ، وروي ذلك عن عليَّ وابن مسعود وزيد وابن عمر ، وقد ذكرنا الأسانيد عنهم فى التمهيد. إنتهى كلامه رحمه الله.
ومن المتأخرين الشهودِ لهم بإذن رب العلمين:-
-        الإمام بن باز رحمه الله وجزاه عنا و عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
ليس له فى هذه المسألة إلا رأي واحد ، سواء فى مجموع فتاويه أو أشرطته المسجلة التى إطلعت عليها ، وتجده منصوصا عليه فى شرحه لكتاب " شروط الصلاة وواجباتها وأركانها للإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله " وهي رسالة بسيطة الحجم كبيرة النفع.
قال رحمه الله عند تعليقه على ]   أركان الصلاة – قراءة الفاتحة [
(وهذا هو الركن الثالث لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"  و قوله صلى الله عليه وسلم : " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج ، فهي خداج غير تمام" . سواء كانت فريضة أو نافلة عام ، وهذا في حق الإمام والمنفرد ، أما في حق المأموم فهي واجبة في حقه تسقط مع السهو والجهل وإذا سبقه الإمام فجاء والإمام راكع وفاتته القراءة ، فإنها تسقط عنه على الصحيح لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أدرك أبو بكرة ركوعه مع الإمام لم يأمره بقضاء الركعة ، فالمأموم في حقه واجبة تسقط مع الجهل والنسيان وبفوات القيام ، فإذا فاته القيام مع الإمام وأدرك الركوع أجزأه ذلك.........).
-        الإمام الألباني رحمه الله ، وقد علمت ما ذهب إليه.
-        الشيخ الفقيه ابن عثيمين رحمة الله عليه ، وقد علمت ما ذهب إليه.
-        راجع فتاوي ومسائل الشيخ المحدث مُقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى.
الحادي عشر:
       دائما ما يُستشهد بفهم المحدثين وفقهم للحديث الذي يرووه وتعليقاتهم عليه ، مثال ما ذُكر عن الترمذي رحمه الله عند تعليقه على حديث" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " وهنا إستشهاد بحديث عام فى الباب ، على مسألة خاصة صح فيها الدليل الخاص المقيد ، ولو أننا رجعنا الى حديث عليَّ ومعاذ بن جبل رضى الله عنهما لتبين لنا كيف يُحْكم فى مثل هذه المسائل فانظر:-
حديث 588 باب ما ذُكر في الرجل يُدرك الإمام وهو ساجد كيف يصنع .
عن عليَّ و معاذ بن جبل رضى الله عنهما قالا : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام ". قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده إلا ما رُوي من هذا الوجه ، والعمل على هذا عند أهل العلم ، قالوا : إذا جاء الرجل والإمام ساجد فليسجد ، ولا تجزئه تلك الركعة إذا فاته الركوع مع الإمام .
واختار عبد الله بن المبارك أن يسجد مع الإمام ، وذكر عن بعضهم فقال لعله لا يرفع رأسه في تلك السجدة حتى يغفر له.
و الحديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله و الشاهد من كلام الترمذي قوله رحمه الله (ولا تجزئه تلك الركعة إذا فاته الركوع مع الإمام) فإنه جعل حدُّ الإجزاء إدراك المأموم لركوع الإمام ، كما هو واضح بين.
الثاني عشر:
       إذا كنت ترى معي أن المسألة محل خلاف واجتهاد ، فكما أنه لايسوغ حملي لك على رأيي الإجتهادي ، فلا يجوز لك حمل الناس على رأيك و إجتهادك.
الثالث عشر:
تذكر دائما أن السلف إختلفوا ولم يتفرقوا
هذا ما تيسر لى على عجالة فإن وُفقتُ فمن الله وحده ، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله ، وإن كانت الأخرى ، فمني وحدي وما أُبرئُ نفسي ، إن النفس لأمارة بالسوءِ إلاَّ ما رحم ربي إن ربي غفورٌ رحيم.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهدُ ان لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.
وصلِّ اللَّهم على محمد و على آله وصحبه وسلم ، و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين
كتبه/ أبوعبدالله حسن بن حسن بن عبدرب النبي
3صفر 1428

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

المتابعون